انهيار هدنة الخارج
ساطع نور الدين
أخطر ما في اغتيال الشيخ صالح العريضي، هو أنه يوحي بأن الجهود الحثيثة التي بذلت على مدى الاشهر القليلة الماضية لتعطيل الصراع على لبنان او على الاقل لتحييده انهارت فجأة، وبات كل ما أنجز منذ اتفاق الدوحة وحتى اليوم عرضة للضياع مع انهيار الهدنة الخارجية لأسباب غير محددة بشكل دقيق، وإن كانت محل تكهنات عديدة، وتؤدي الى استنتاجات مقلقة، قد يكون اقلها خطراً هو ذلك السيناريو الذي يتوقع اغتيالات وتفجيرات إضافية في المرحلة المقبلة.
الجريمة الجديدة تعلن بما لا يدع مجالاً للشك ان الصراع الخارجي على النفوذ والسيطرة والوجهة السياسية للبنان، دخل منعطفاً جديداً، يختلف في بعض مظاهره وأدواته وأهدافه ما سبق للبنانيين أن شهدوه طوال السنوات الثلاث الماضية، وينذر بالسعي إلى إخلال جوهري في موازين القوى الداخلية.. التي كانت ولا تزال تعبر عن الكثير من موازين القوى الإقليمية وحتى الدولية.
ثمة إجماع على أن هذا الخروج من هذا المنعطف الجديد لن يستهلك وقتاً طويلاً، لأن طرفي الصراع يعتبران ان المهلة قصيرة، وهي قد لا تستغرق سوى بضعة أسابيع لكي يغادر لبنان تلك المرحلة الضبابية، ويتم حسم خياره السياسي العام باعتباره قاعدة للمقاومة اللبنانية والسورية والإيرانية او علامة فارقة على تقدم المشروع الاميركي في المنطقة كلها.
يبدو الآن ان الجهود التي أثمرت اتفاق الدوحة، وكانت بمثابة محاولة لاقتناص تهدئة لبنانية قبل ان تهب العواصف الخارجية العاتية، عبرت عن استعداد علني واضح من طرفي الصراع للتعايش في لبنان واحترام التوازنات التي أسفرت عنها المعارك السياسية والأمنية الضارية التي دارت طوال الأعوام الثلاثة الماضية.. وكان الاتفاق نفسه وفي العاصمة القطرية بالذات، حصيلتها الفعلية.
اما لماذا سقط هذا التفاهم الضمني الذي ساهم في اكساب اتفاق الدوحة إجماعاً عربياً ودولياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الازمة اللبنانية الطويلة، فذلك سؤال يفترض مراجعة مختلف التطورات الخارجية التي رافقت هذا الاتفاق، من المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة في تركيا التي كشف النقاب عنها لحظة التوقيع على الاتفاق، الى القمة الرباعية السورية الفرنسية التركية القطرية، وما بينهما من تقلبات شهدها النزاع على الملف النووي الايراني، وصولاً الى حرب القوقاز الأخيرة التي أرخت بظلالها على المشروع الاميركي في الشرق الاوسط.
استخلاص العبر من هذه الوقائع مجتمعة لا يؤدي باي حال من الاحوال الى نتيجة تدعم فكرة الهدنة الخارجية: مفاوضات تركيا تقترب من لحظة حرجة جداً وخطرة جداً، والقمة الرباعية لم تكن خرقاً لجدار الحصار الدولي على سوريا، والملف النووي الإيراني يدنو مجدداً من ساعة تصعيد وتوتر استثنائي.. ولم تكن حرب القوقاز سوى حجة لرفع مستوى الاستنفار والتعبئة على مختلف الجبهات.
في ظل هذا الاضطراب الخارجي، لا يمكن للبنان أن يصمد طويلاً او ان يطمئن الى مصالحات وحوارات تبدو أنها من خارج أي سياق سياسي موضوعي.
السفير