بعد أن اشترطت الرياض والقاهرة على الوسطاء تغييراً في السلوك السوري في لبنان …
دمشق تتشدد وتراهن على عمق التفاوض الإيراني – الأميركي وتتوقع تخلي واشنطن عن دول الخليج لمصلحة طهران
بيروت – وليد شقير
يكثر القادة اللبنانيون، من فريقي الأكثرية والمعارضة الحديث عن «الظروف الإقليمية الخطيرة» التي تحيط بلبنان والتي تتطلب الحذر وتأمين حد أدنى من اللحمة والمصالحة بينهم في مواجهة التقلبات الإقليمية والدولية المعقدة والمناورات الخارجية، سواء في سياق المواجهات المحتملة أم في سياق عمليات التفاوض على مسارات عدة وما تتطلبه من تنازلات أحياناً وضغوط أحياناً أخرى، تنعكس على الساحة اللبنانية.
ولدى التدقيق في ما يقصده كل فريق في صدد هذه الأوضاع الإقليمية المقلقة للوضع اللبناني الداخلي، يظهر أن لكل رأيه وتحليله المتعارض مع الآخر، الى درجة أن أحد المراجع يعتقد أن ضبابية الوضع الخارجي تزيد الأمور خطورة وتستدعي تأمين حد أدنى من التماسك اللبناني الداخلي للتخفيف من أضرار أي تطورات تأتي على حساب لبنان.
وفي سياق رسم صورة للمشهد الخارجي، تشير أوساط عربية متعددة الى المعطيات المتوافرة لديها حول عنوانين رئيسيين هما: الصراع العربي – الإسرائيلي وآفاقه الراهنة بالتناغم مع موضوع الملف النووي الإيراني. والعلاقات العربية – العربية المتراجعة منذ السنة الماضية والتي أدت الى شبه تغيّب كل من المملكة العربية السعودية ومصر وغيرهما عن قمة دمشق، بسبب الخلاف على الأزمة اللبنانية.
وفي ما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي والملف النووي الإيراني، تقول أوساط عربية قيادية لـ «الحياة» ان لا أمل بأي تطور جوهري في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية من النوع الذي وعدت به الإدارة الأميركية الحالية التي باتت تتصرف في اللقاءات المغلقة على أنها تحضّر لحزم حقائبها، خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية بعد شهرين. وتشير معلومات هذه الأوساط العربية الى أن إسرائيل لم تستطع إقناع الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية الى إيران قبل انتهاء عهد الرئيس بوش، لأن الأخيرة ما زالت تغلّب خيار التفاوض مع طهران، وأن كل الخوف هو من أن تستبدل إسرائيل هذه الضربة بعمل عسكري كبير، إما ضد حركة «حماس» في غزة، يزيد من تجميد التفاوض على المسار الفلسطيني، وإما ضد «حزب الله» في لبنان، قد يطاول سورية في شكل من الأشكال، والهدف من عمل عسكري من هذا النوع هو إضعاف أوراق إيران في المنطقة. وفي مقابل مخاوف الأوساط العربية هذه، ترى مصادر لبنانية متابعة للتفاوض السوري – الإسرائيلي أن هذا المسار قد يحول دون عمل عسكري من الدولة العبرية ضد سورية ولبنان، وأن الضحية قد تكون غزة، من دون أن يعني ذلك الاطمئنان الى صعوبة قيام الدولة العبرية بضربة ضد «حزب الله» ولبنان في ظل الحملة المتواصلة على تسلح الحزب… فواشنطن المشلولة القرار قد تترك لتل أبيب القيام بالمحاولة.
أما على صعيد العلاقات العربية – العربية، فإن مصادر عربية متعددة اشتركت في التأكيد لـ «الحياة» أنها ما زالت في أسوأ حالاتها وأن جهود المصالحات التي أجريت في الأسابيع الماضية لم تحرز أي تقدم، بل على العكس شهدت مواقف متشددة، من بين أسبابها وميادينها الوضع اللبناني.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية عربية ما تردد من أن أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بذل محاولة بين المملكة العربية السعودية وسورية لم تلق تجاوباً قبل زهاء 3 أسابيع (قبل عقد القمة الرباعية في دمشق بينه وبين الرئيس بشار الأسد والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان)، نظراً الى أن الرياض كررت بصورة حاسمة أن المدخل لأي تحسن في العلاقة مع دمشق هو تغيير سلوكها في لبنان. فالقيادة السعودية تعتبر أن الجانب السوري ما زال يحرك الوضع الأمني المتوتر في لبنان وأنه كان وراء أحداث طرابلس منذ بدايتها قبل 3 أشهر للتسبب بحال دائمة من عدم الاستقرار يستفيد منها من أجل إبقاء لبنان رهينة في يده والتأثير في مجريات الأمور فيه عبر الوسائل الأمنية، مثلما حصل في صدامات أيار (مايو) الماضي.
وتضيف مراجع قيادية لبنانية على معطيات المصادر الديبلوماسية العربية هذه معلومات بأن «استياء الرياض من السياسة السورية في لبنان ازداد بسبب اتهامات دمشق وحلفائها في لبنان لها بأنها وراء تحريك المجموعات «السلفية» السنية في عاصمة الشمال ضد العلويين، في وقت ظهر أن حلفاء دمشق قاموا بتمويل وتسليح بعض المجموعات السنّية القريبة من الجانب السوري من أجل إبقاء فتيل القتال مشتعلاً في طرابلس، مع العلويين لأن دمشق ترغب في فوضى أمنية في المدينة وفي تعدد المرجعيات السنية عبر هذه الوسيلة». وتشير المراجع اللبنانية نفسها الى أن التشاور المصري – السعودي أدى الى تركيز الدولتين على وجوب وقف الصدامات في طرابلس بأي ثمن والحؤول دون تفاقم الأمور واستغلالها من جانب دمشق وهذا ساهم في دفع مصالحة طرابلس نحو النجاح. وفيما تقول أوساط طرابلسية أن المصالحة لم تكن لتتم من دون ضوء أخضر سوري لرئيس الحزب العربي الديموقراطي علي عيد ليلتقي زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري ثم يحضر اجتماع المصالحة، تشير المراجع اللبنانية لـ «الحياة» الى أنه لم يكن أمام دمشق من خيار سوى تأييد هذه المصالحة، نظراً الى أن القاهرة ودمشق وضعتا ثقليهما من أجل إتمامها، ولأن قادة العلويين لا يريدون الذهاب بعيداً في العداوة مع محيطهم السني وبسبب دعم السنة المعارضين لها لأن تفاقم الوضع الأمني سيضع زمام الأمور في يد التطرف والمجموعات المسلحة، ولأن التيار الأكثر ثقلاً أي «المستقبل»، كان حاسماً في خيار المصالحة في شكل لا يمكن لأحد رفضه، بعد أن وُجّهت اتهامات لـ «حزب الله» بدعم بعض الأطراف المعارضة بالمال والسلاح.
وتضيف المراجع اللبنانية على ذلك قولها إنه إضافة الى اتهام الرياض دمشق بالسعي الى صدامات طرابلس «أبدى الجانب السعودي غضبه من أن القيادة السورية سعت الى تضخيم قضية السلفيين في طرابلس لمناسبة وجود ساركوزي في دمشق من أجل الإيحاء للغرب بأن نفوذها في لبنان هو الذي يضع حداً للتطرف الإسلامي، لتحصل منه على مقابل ذلك بالتسليم بهذا النفوذ…». وترى هذه المراجع أنه حين حزمت الدولة اللبنانية أمرها بالتشدد مع المسلحين في طرابلس وحسمت القوى السياسية الرئيسة موقفها برفع الغطاء عنهم، لم يستطع حلفاء دمشق القيام بعكس ذلك بدورهم.
إلا أن المصادر الديبلوماسية العربية تزيد على الموقف من طرابلس معطيات أخرى عن التعقيدات في العلاقات العربية – العربية. فإزاء الإعلان المصري (أثناء زيارة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط لبنان) أن التحسن فيها يبدأ في لبنان، والموقف السعودي المشابه الذي تبلغه الوسطاء، فإن القيادة السورية «قابلت هذه الشروط بمزيد من الغضب وكررت اتهام الرياض بتحريك الموقف السني في لبنان ضدها، وبأنها تساهم في الحملة التي تتهم دمشق بأنها تريد العودة الى لبنان وبأن الهدف من وراء ذلك التأثير على الداخل السوري».
وذكرت المصادر الديبلوماسية العربية نفسها أن القيادة السورية أشارت الى أن «القيادات الخليجية التي تقف ضد دمشق وتحالفها مع طهران ستصاب بخيبة لأنها ستفاجأ بنتائج التفاوض الأميركي – الإيراني الجاري بعيداً من الأضواء والذي سيؤدي بالنتيجة الى اتفاق الجانبين حول الوضع في المنطقة والخليج». وتقول هذه المصادر أن القيادة السورية تراهن على ما تعبيره «تخلي واشنطن عن قادة الدول الخليجية مثلما تخلت عن حلفاء لها آخرين في العالم، عند إنجاز التفاوض الإيراني – الأميركي».
وكانت الرياض ودول خليجية، بحسب المصادر الديبلوماسية العربية، عبرت عن عدم ارتياحها الى ما تردد من أن قطر وجهت دعوة الى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور القمة الخليجية المقررة في مسقط بعد أسابيع، لكن الدوحة نفت توجيه مثل هذه الدعوة.
الحياة – 14/09/08