الخطاب الإسلامي والغرب
د. طيب تيزيني
شهر رمضان مناسبة مثمرة لطرح أسئلة في الثقافة والحوار والسجال ضمن الثقافة العربية والإسلامية، وكذلك بين الأخيرة والثقافة الغربية أو الغرب عموماً. وهذه فضيلة ذات قيمة معرفية وسياسية وإنسانية ترتد- في نتائجها- على أطراف الحوار والسجال كليهما. لكن هذه النتائج وبسبب حساسية الموضوع المطروح، تأتي أحياناً ضحلة بالاعتبار المعرفي، وربما كذلك مؤذية بالاعتبار السياسي والأيديولوجي. وهذا يمكن ملاحظته، بكيفية خاصة لدى بعض خطباء الجوامع ومحدثيها، الذين لم يحصّلوا معرفة معمقة بما يتكلمون فيه، إضافة إلى اتجاهات أيديولوجية ثأرية الطابع، أو ذات لون ممتد من التشدد واليباس العقلي إلى التكفير الضمني، وأحياناً الصريح والمعلن.
إن ذلك الخطاب الديني الإسلامي تغيب عنه عدة مسائل، مما يجعله ضعيفاً وممتلئاً بالثغرات، التي تتصل بمن يتم التوجه إليهم من الغرب ومن الشرق العربي والإسلامي، على حد سواء. وهذه الثغرات شائعة وتقريباً معروفة من أوساط كثيرة من المثقفين والمتعلمين العرب. وحين يكون الكلام عليها في حال التقاطها ضمن منهج تلفيقي تجزيئي وثأري ولا تاريخي، فإن أمراً فائق الأهمية يشير إلى نفسه، وهو الخسائر أو بعض الخسائر التي يُمنى بها الخطاب المذكور في مواجهته للفكر الغربي؛ مما يسهل عملية ضبط سماته منطقياً ووضعها موضع نقد علمي ممكن. ونحن الآن نحاول وضع يدنا على بعض ذلك إنطلاقاً من عدد من الخطب، التي ألقاها أئمة جوامع على مدى الأيام الستة المنصرمة من رمضان المبارك، وكذلك من خطب أخرى سمعناها في مناسبات مختلفة، في سوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية. وتأتي السمات التالية على نحو مارسنا فيه حداً معيناً من التصنيف وفق مطلب الأولوية الواقعية والمنطقية:
1- إن “الغرب” يمثل- في الخطاب الإسلامي المعني- بنية واحدة تفتقد مكوناتها التمايز الأيديولوجي القيمي والديني العمومي، ناهيك عن التناقض والتضاد والتصارع الفعلي.
2- يكتسب الغرب ذاكرة عريقة تحميها ضمن تلك البنية مؤسسات ووضعيات سوسيوثقافية وسياسية راهنة، أما العنصر القوي في هذه الذاكرة، فيتمثل في المصطلح الغربي التقليدي المتحدر، خصوصاً من القرن التاسع عشر وهو “المركزية الأوروبية – الغربية.
3- لا يدخل في مقولة “الغرب” ها هنا ما راح يفعله باحثون معاصرون حين أدرجوا فيها بلداناً تقترب- في منظومتها الاقتصادية والتقنية العلمية- من منظومات غربية (كالأميركية)؛ ومن هذه البلدان اليابان، أي إن الخطاب الإسلامي المعني هنا يضع المركز، وهو أوروبا في شرقها كما في غربها. وفي هذه الحال، يحتمل، مثلاً، التمييز بين البقعة الأنجلو سكسونية والبقعة الإسكندنافية والثالثة اللاتينية وغيرها.
4- في حقل الثقافة يظهر الأمر بمثابة ثقافة لاتينية وأخرى سكسونية وثالثة اسكندنافية، بما في ذلك من خصوصيات نسبية لكل من هذه الثلاث.
5- والخطاب الإسلامي المذكور يضرب صفحاً عن الصراعات، التي اندلعت بين الثقافات الأوروبية الغربية وما رافقها من أيديولوجيات دينية.
6- أما التمايزات الثقافية القائمة في قلب الشعوب الأوروبية الغربية ذاتها وتظهر عن طريق فئاتها وطبقاتها ووحداتها الاجتماعية، فلا تظهر إلا نادراً في ذلك الخطاب الإسلامي.
لن نزيد على ذلك؛ فهذا يكفي لمعرفة أن مصطلح “الغرب” بقدر ما هو تجريد وتعميم لعالم عمومي، فإنه يغدو حياً ظاهراً وفاعلاً كلما هبطنا في سلم خصوصياته؛ مع الإشارة المهمة وهي إن الغرب يظل من حيث هو مصطلح، صالحاً وضرورياً للتعبير عن واقع الحال، الذي يغطيه، خصوصاً في مجال المصالح الاستراتيجية لكل الأوروبيين، الذين يسعون في هذه الحال إلى التميز عن الأميركيين (وهم جزء مهم من الغرب).
نعم، قد يكون شهر رمضان المبارك مناسبة مهمة لمراجعة الأدوات المعرفية، التي يستخدمها الإسلاميون في موقفهم من الغرب (حواراً أو سجالاً أو مثاقفة). لكن هذه تشترط وجود الحرية والعلم الاجتماعي والعقلانية لضبط زمام الموقف.
جريدة الاتحاد