‘عكيد’ و’زعيم’ ونساء للتوبيخ بالجملة والحارة استعدت لزيارة الامبراطور الالماني!
زهرة مرعي
في مسلسل ‘باب الحارة’ تسيطر شخصية ‘العكيد’، وفي مسلسل ‘أهل الراية’ تسيطر شخصية ‘ الزعيم’. مسلسلان سوريان وقع إختياري عليهما للمتابعة في الموعد السنوي المقرر مع سيل المسلسلات. الأول يستمد جاذبيته بالنسبة لي من حضوره المؤثر في الموسم الماضي والذي سبقه، والثاني جذبني بطله جمال سليمان ومجموعة من الممثلين الأقوياء المشاركين فيه، إضافة إلى مخرجه علاء الدين كوكش.
‘عكيد’ و’زعيم’ في مسلسلين يعودان إلى بدايات القرن الماضي، وربما يعود ‘أهل الراية’ إلى أواخر القرن الذي سبقه. إنها الحارة السورية المحروسة برجل مؤثر. حكيم المنطق، طيب السيرة، مسموع الكلمة، له سطوته وحضوره دون الكثير من العناء. والإثنان معاً يتميزان بهيبة الاطلاله، والصورة التكاملية للرجل المنشود شكلاً ومضموناً. ‘العكيد’ و’الزعيم’ خاليان من الشوائب، لا يمكن أن يتناولهما نقد من خلال شخصيتهما التي وصلتنا.
يُطلق على هذا النوع من الدراما السورية عنوان التاريخي، وهو ما برعت به تلك الصناعة السورية المستجدة منذ أكثر من عقدين، وجذبت من خلاله المشاهدين لمتابعتها. ليس فقط لمشهديتها الجميلة والمنطقية ضمن السياق التاريخي، بل من جملة عوامل جاذبيتها، تلك المحاكاة المهمة لمرحلة تاريخية من حياة بلاد الشام، كان فيها التسلط والظلم العثماني على أشده، ومن ثم تبعه الإحتلال الفرنسي الذي كان أشد قساوة مما سبقه.
بشكل إجمالي الإنجذاب إلى هذا النوع من الدراما التاريخية يعود الفضل فيه لذلك الجانب النضالي والكفاحي الذي تتضمنه ضد المحتل وبوجه الظلم. لكن هذا ما لم نلحظه بعد، ولم نشم رائحته حتى في مسلسل ‘أهل الراية’. بل شاهدنا ما هو معاكس تماماً. فقد ظهر علينا الوالي التركي الجديد بصورة مضيئة ومفاجئة لنا. كما أن حارة ‘بير التوتة’ كانت في كامل إستعداداتها لإستقبال الإمبراطور الألماني الذي مرّ بدمشق، إنما هذه الزيارة أُلغيت في آخر لحظة بسبب ‘ضيق وقت’ الإمبراطور. وهذا لم يمنع على الإطلاق أن يُقلد ‘الزعيم’ وسام الحكمة والفطنة من الإمبراطور الألماني في وقت لاحق.
إنه السياق الذي تدور ضمن فلكه أحداث مسلسل ‘أهل الراية’ إلى حينه. هي الحارة الشامية المعهودة بالنسبة لنا. ناسها متكاتفون متضامنون. رجالها في أعمالهم، وبينهم النشيط ‘الشغيل’ وبينهم لاعب القمار. ونساؤها مشغولات بمنازلهنّ وثرثرتهنّ. واللافت في تلك النسوة كثرة عدد الفتيات غير المتزوجات وهنّ في ثلاثينيات العمر أو على أبوابه. النموذج النسائي نفسه يتكرر في كافة مسلسلات الحارات الشامية، نساء في خدمة الرجال، ورجال يحسنون في خطابهم مع حريمهم فقط ‘لغة التوبيخ’. إنما المشهد المستجد في ‘أهل الراية’ يتمثل بوجود حالة عشق غير شرعية بين أرملة فقيرة وتاجر كبير. وهذا ما لا تسمح به الحمية الموجودة لدى رجال ‘باب الحارة’ وبخاصة ‘معتز’.
كما في ‘باب الحارة’ كذلك في ‘أهل الراية’ ثمة إطالات ملحوظة بسهولة لمشاهد يفترض أن تمر برمشة عين. ولكن هذا ما يرتئيه المخرج وربما أيضاً كاتب النص والحوار للوصول إلى ثلاثين حلقة مُكتملة. وبين المسلسلين أوجه شبه متعددة في الشكل وأحياناً في المضمون. انها نوع من الدراما التي شكلت لبنة أساسية في تشكيل سطوة وقوة وحضور الدراما السورية، لكنها بدأت تسير على حد السكين بين التجدد البسيط والتكرار المتعدد وإن في أشكال مستجدة نسبياً. وفي كل الأحوال تبقى مشاهدتها كبيرة لدى الباحثين عن الرجال الذين عرفناهم في الزمن الغابر، وكذلك لباحثين عن النموذج النسائي الذي يحفظ جملة ‘أمرك يا تاج راسي’.
أسمهان نص جذاب ومسار درامي مشوق
يستمد هذا المسلسل قوته من عوامل متعددة يأتي في طليعتها شخصية أسمهان المثيرة للجدل رغم وفاتها منذ زمن بعيد. فهي كمطربة وكصوت مميز جداً إستحقت حتى لحظتنا هذه أن توصف الأصوات بإسمها. وهذا لم يكن في عصرنا الحالي وما سبقه سوى لها ولأم كلثوم. حيث يقال في توصيف الأصوات ‘صوت أسمهاني’ ويقال كذلك ‘صوت كلثومي’ وإن بنسبة أقل. كما أن سيرة أسمهان المنقولة عبر الألسن كانت منارة لبعض المطربات المؤثرات. فالسيدة صباح على سبيل المثال عندما تُسأل عن علاقتها بالسياسيين تستشهد بما كانته أسمهان في زمانها القصير، وتعترف بالسطوة التي كانت لها، وتصفها بالجريئة.
تسارعت أحداث مسلسل ‘أسمهان’ في سياق منطقي، وفي مسار درامي محترم حتى الآن بعيداً عن إستدرار عطف الإطالات. ويبدو أن الكاتب نبيل المالح زود المخرج شوقي الماجري بنص على جانب كبير من الغنى وتراكم الأحداث التي كانت في الحياة التي عاشتها أسمهان.
وفي العودة إلى عوامل جاذبية هذا المسلسل من فئة السيرة الذاتية تلك الأسماء التي إشتركت في إعداد النص للكاميرا، وتلك الشركات متعددة الجنسيات التي تعاونت على إنتاجه، وذلك الحضور العربي المتعدد للممثلين من سورية ولبنان ومصر. وكذلك شموله على مشاهد من البلدان الثلاثة. إلى أن يأتي توقيع الإخراج للماجري القدير من تونس.
وفي العوامل المؤثرة الأخرى التي لعبت مع وضد المسلسل هو تلك الخضّات القضائية التي ترافق كل نية في تقديم دراما مختصة بالسيرة الذاتية. فمسلسل ‘أسمهان’ ترافق مع شكاوى قضائية رفعتها العائلة قائلة فيها بأن النص يشوه تاريخها. فعائلة الأطرش المعروفة بأنها جهادية ومناضلة في وجه الظلم والإحتلال، ومن أبطالها سلطان باشا الأطرش خشيت أن يلحقها أذى من هذا المسلسل. وإن كانت هذه الدعاوى القضائية قد أدت لرغبة كبيرة في متابعة المسلسل، فهي بالتالي لعبت ضده لجهة إقبال محطات التلفزة على شرائه خوفاً من مشاكل ربما تستجد خلال العرض أو حتى بعده، كما ساهمت بحسب المصادر في تخفيض سعره. وإن كان وزير الإعلام السوري قد أصدر قراراً بمنع عرض المسلسل على الفضائية والأرضية السورية فهو يُعرض على أكثر من محطة ومنها قناة ‘الجديد’ في بيروت.
في مسار مسلسل ‘أسمهان’ نحن نتابع إمرأة جميلة جداً تعرف ما تريده، لها شخصيتها وكرامتها وعنفوانها. فهي تركت حفلاً عند سيدة مصرية ثرية، وتركت لها فلوسها، عندما وجدت أن الحاضرين يتلهون بالطعام بدل سماعها، وقالت بالفم الملآن: أنا الأميرة أمال الأطرش. حتى هذه اللحظة تظهر أسمهان بعكس ما هي عليه والدتها التي ترغب بالمال من ولديها فريد وأسمهان لسداد ديونها المتراكمة في مصر.
المرحلة الجديدة والمفاجئة في حياة أسمهان كانت في قبولها الزواج من الأمير حسن الأطرش الذي سافر إلى مصر بهدف نهيها عن الغناء في الكباريه الأمر الذي يسيء إلى عائلة الأطرش المناضلة. وإذا به يطلب يدها، وهي توافق فوراً بشروط بسيطة ومستجابة من قبله. وهكذا تعود أسمهان إلى جبل الدروز في السويداء. وهناك تبرز أحاسيسها الإنسانية، وتساؤلاتها عن الفقر والفقراء. كما ويبرز بشكل كبير إحساسها بوطنها وأهلها وناسها ومساواة ذاتها بعامة الشعب. أسئلتها تلك كانت تثير الأمير حسن. ولم تتوقف الأسئلة على الجانب الإجتماعي الإقتصادي بل تعدته إلى السياسة أيضاً.
حتى الآن ظهرت شخصية أسمهان فطنة، إنسانية، متفتحة ومتنورة. كما إستطاع المخرج تقديم شخصيات ‘أهل الجبل’ بالصورة التي تجسدهم خير تجسيد لجهة المشاعر، التي وصلتنا بصدق.
‘أسمهان’ مسلسل جذاب ومتقن في مشهديته ولغته وحواره. وإختيار ممثليه جاء مناسباً وبخاصة سلاف فواخرجي البطلة، وفهد عابد الأمير حسن.
صحافية من لبنان