الدور الإقليمي السوري بين الواقع والطموح
حسين العودات
بعد ما يقارب الأربع سنوات من محاولات عزل سوريا من قبل الإدارة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي، وثلاث سنوات من قبل بعض البلدان العربية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والاختلافات الكبرى بين سياسات هذه الدول العربية وسياسة سوريا تجاه لبنان، ثم تفاقمها بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وخطاب الرئيس بشار الأسد الشهير، عادت الحرارة والفعالية للعلاقات السورية الفرنسية واستطراداً للعلاقات السورية الأوروبية.
وتراجعت المواقف الأميركية المتشددة تجاه سوريا، وأخذت سوريا تلعب دوراً (شبه وسيط) بين الغرب والحكومة الإيرانية مستجيبة لطلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مستفيدة من علاقاتها مع إيران، كما يبدو أنها وسعت دورها ليشمل عقد علاقات متوازنة بين إيران وتركيا وخاصة تجاه السياسة شرق الأوسطية، في الوقت الذي بدأت فيه تعديل سياستها من مواقفها تجاه لبنان والعراق وفلسطين وعقد مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، مما أوحى بأنها سارت خطوات نحو (الاعتدال).
كما يراه الغرب، وسار الغرب الأوروبي وربما الأميركي خطوات مماثلة نحو تطبيع علاقاته مع سوريا، وقد اعتقد المراقبون أن سوريا استأنفت لعب الدور الإقليمي الذي كانت تلعبه في العقود السابقة، ونجحت بتحقيق ذلك بسرعة قياسية ما كان أحد يتصور تحقيقها خلال مدة قصيرة قد لا تتجاوز بضعة أشهر.
لاشك أن السياسة السورية استعادت أنفاسها وحققت انفراجاً واضحاً وفككت بعض حلقات العزلة المفروضة عليها، ولكن استعادتها دورها الإقليمي بكامل أبعاده ومراميه لن يتحقق بثبات وديمومة في الواقع إلا بامتلاك السياسة السورية شروطاً ذاتية تنطلق من رؤية بعيدة وشاملة ومتكاملة تمنحها القدرة لتكون فاعلة لا منفعلة وتقف على أرضية ثابتة وصلبة تعود إليها لا لغيرها.
وهذا ما يتطلب بلا مواربة إعادة العلاقات السورية مع بعض البلدان العربية الفاعلة من جهة والعمل على بناء وضع داخلي متين ومتماسك قادر على تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة بين أبناء الشعب السوري وفئاته السياسية والاجتماعية وبين السلطة السياسية من جهة أخرى.
وبدون هذه العلاقات العربية التي تشكل نوعاً من التنسيق والتضامن وتلك الوحدة الداخلية التي يمكن أن يعتمد عليها النظام في سياسته الإقليمية والدولية، لن تكون طريق سوريا للعب دورها الإقليمي سهلة وسالكة وستكتنفها عقبات كبيرة ومقلقة لن ينفع معها الانفراج القادم من الخارج الذي لن يستطيع مهما كانت نتائجه تقديم الشروط الملائمة لها لمدة طويلة، وسيبقى انفراجاً مؤقتاً اقرب إلى الصفقة منه إلى النجاح الذي لا يحمل في جوهره إمكانية الديمومة والاستقرار والثبات وبناء الشروط الذاتية المطلوبة لتحقيقه.
من غير الحكمة أن يتصور صانعو القرار السوري أنهم سيحققون نجاحات متنامية قادمة ودائمة بدون علاقات عربية جيدة وجدية منطلقة من ثقة متبادلة وإرادة سياسية استراتيجية، فما نفع أن تعيد السياسة السورية الحرارة والفعالية لعلاقاتها مع الخارج غير العربي على أهمية هذا الإنجاز بدون التنسيق مع الدول العربية الفاعلة والتحالف معها والاستقواء بها وتوحيد جهود الجميع للوصول إلى موقف إقليمي قادر ومؤثر.
وتؤكد أحداث النصف الثاني من القرن العشرين استحالة أن يلعب قطر عربي واحد دوراً إقليمياً ناجحاً بدون محيطه العربي، فقد حاولت بلدان عربية عديدة أن تلعب مثل هذا الدور بمفردها إلا أن أقصى ما توصلت إليه هو تحقيق بعض النفوذ هنا وهناك، نفوذ غير قابل للديمومة والاستمرار وتحقيق النجاح الاستراتيجي المأمول، لكنها لم تستطع لعب دور إقليمي تتمناه بمعزل عن محيطها العربي.
ولنتذكر أن النظام العربي الإقليمي كان يضم دائماً معتدلين ومتشددين، وكانت الخلافات والاختلافات قائمة باستمرار بين أطرافه، لكن ذلك لم يمنعه من تحقيق التنسيق والتضامن والمواجهة النسبية للهيمنة والمخاطر الخارجية.
وليس جديداً على النظام الإقليمي العربي الالتجاء للمحاور ذات الطابع (الأيديولوجي) أو (الجغرافي) أو غير ذلك ثم التراجع عنها لصالح النظام الإقليمي العربي رغم عثراته ومصاعبه. وفي الحالات كلها تبقى علاقة سوريا الحالية السلبية مع الأنظمة العربية الفاعلة عائقاً جدياً أمام نجاح دورها الإقليمي ويتعذر بدون التغلب على هذه العوائق تحقيق ما تصبو إليه السياسة السورية من نجاحات، ولعل الخطر كل الخطر يكمن في الاعتقاد باستمرار المسيرة السياسية وتحقيق نجاحات إقليمية بدون التنسيق والتعاون والتضامن مع المحيط العربي.
الشرط الثاني الضروري للسياسة السورية كي تلعب دورها الإقليمي المأمول هو ترميم وضعها الداخلي، وتبنّي إصلاحات جدية سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، ويخطئ من يظن أنه بدون وحدة وطنية وتماسك داخلي وانفراج سياسي وتطبيق سياستين اقتصادية واجتماعية ملائمتين وأخذ مصالح الناس بعين الاعتبار يمكن أن يلعب دوراً إقليمياً ناجحاً.
كاتب سوري
البيان