نادر سراج: الرشوة سوسيولغوياً: أساليب وأدوات وأعراف ولغة مفردة
الرشوة باعتبارها احدى بوابات الفساد في البيئة الثقافية الاجتماعية اللبنانية تحديداً، أو في البيئات العربية عموماً، أحفزت الباحث اللساني نادر سراج على قراءة خطابها ورصد منسوبها اللغوي التداولي بين الفئات وداخل الغرف المغلقة في الادارات، بحيث استطاع الوصول الى اكثر من ألف مصطلح وتركيب وأسلوب اشاري(1)، وضعه الرشاة قيد التداول اليومي من أجل الهروب الى الامام فلا تطالهم العدالة بشبهة.
التحادث المختلف
والواقع، ان خطاب الرشوة، كما يقدمه الباحث اللساني، انما يضم نماذج من الكلام المختلف أو من التحادث المختلف، الذي قد عن لغة الفصحاء والبلغاء، وعن جميع القواميس والمعاجم التي تداولتها مجامعهم اللغوية في تاريخها القديم والحديث. إذ ان ما يعرف بالأدبيات الرصينة يجب ان تظل في منأى عن لوثاث النفوس التي تتصف بما تعير به من لصوصية لا تعيش عادة الا وراء الحجرات!
ويضم “تحادث الرشاة” كما يحلو لي ان اسميه (خطاب الرشوة)، في هيكله النظري والوصفي، ثمانية عناصر لغوية تداولية متلازمة في المحادثة اليومية لدى هذه الفئة المخصوصة أو من يريد ان يتجمل بلسانها للظفر بالحاجة، وهي تظهر بجلاء في النماذج التقنية اللسانية للتواصل؛ وان كان الباحث لم يفرد لها فصولاً في دراسته، لانه كان يذهب في عمله الى ما هو أهم وأشمل. وهي على التوالي: وضعية خطاب الرشوة والمشاركون فيه والغائيات المختلفة والأفعال المتعددة، بالاضافة الى نبر الفعل اللغوي والأدوات التي تستعمل في الكلام، والمعايير المتصلة به.
أضواء لسانية
وبهذا النحو المفصل، استطاع نادر سراج ان يغني نموذج التحادث لدى الرشاة: الراشي والمرتشي والرائش والمحادثة الراشية.. تماماً كما وضعه اصلا “ديل هايمس” وطوره معه لاحقاً جان جامبوس في الجامعة الأميركية، وكما تحصل اصلا في نموذج جاكبسون اللساني للتواصل، باصطلاحات ومفاهيم وأدوات وصفية وتحليلية جديدة، مستمدة في اتجاه نسقيات التواصل، من ملاحظة الأسس والعناصر اللغوية السياقية، والأغراض والمقاصد التداولية التي تقوم عليها مباشرة انساق وعرقيات تفاعل اللغة بالحياة، حسبما ذهب اليه دايل هايمس في تسميته لأنساق الكلام أو التحادث، مثل “الغائيات الاجتماعية والمعايير” و”التفاعل التأويلي” للمتحدثين.
ويعترف الدكتور سراج في مطلع دراسته ان البيئات الثقافية الاجتماعية اللبنانية الشديدة الخصوبة والتنوع، لم تبتعد كثيراً أو قليلاً، عن التأثر بمفاعيل الاحتكاكات الناشئة بفعل التجاور والتداخل بين مختلف الشعوب والثقافات والألسن الحية، فمن النتائج التي تمخضت عنها ظاهرة العولمة، الى الانفتاح على المجتمعات، والتأثيرات المتعاظمة لثورة المعلوماتية، فانتعاش سياسات اقتصاد السوق والأجداد المفتوحة، والتغيرات الطارئة على اساليب العيش، كل ذلك كان من العوامل المهمة في تفتح الأذهان وتطور المفاهيم التي تنعكس بصورة ايجابية على عمليات التواصل من خلال اللغة المجتمعية كقناة للتفاهم والتفهم أو كدليل اشاري ايمائي.
خطاب الرشوة
ويبدو لنا من خلال هذه الدراسة التي تأسست على خمسة فصول متنوعة، ان علم الاشارة هو على الأرجح العلم اللغوي الوحيد، الذي يمكن الباحث من اواليات خطاب الرشوة، القائم اصلا على مبادئ ايمائية رقيقة وشفافة، تواري عدة وجوه بأقنعة كثيرة وألوان مختلفة يتشكل منها قوس الرشاة الذي ينتصب فوق الجهات الأربع كما قلنا سابقاً: الراشي والمرتشي والرائش والرشوة. اليس الباحث نفسه هو الذي يقول: ان التجليات اللغوية، على اختلاف اشكالها، والتي ذخر بها خطاب الرشوة، تنساب في منطوقنا اليومي بعفوية وتلقائية باعتبارها محطات كلام تقليدية، أو تعابير رائجة للتندر والتفكه، تستخدم للدلالة على “شطارة” البعض وتميزه وفاعلية مبادرته. ويضيف الباحث قائلاً: ومن هنا لا يستوي توظيفها حصراً في خطاب الرشوة، فهي تمتلك توظيفات ودلالات مختلفة، تتعدد سياقات وظروفاً. ويفهم من ذلك ان الأسلوب التحليلي التفكيكي، انما يراد منه فهم دراسة التراكيب والتعابير، وطرق تشكلها لخدمة الوظيفة الابلاغية المرتجاة.
بالاضافة الى الصفحات التي تبرر بها البحث سراج ذهابه الى “خطاب الرشوة” موضوعاً لسانيا بحثا بطوابعه الاكاديمية المعهودة، فقد وضع ايضا مقدمة ضافية شرح فيها اهداف بحثه وسبل ارتياده موضوع الرشوة من ابواب عدة، لا بهدف تفعيل الرشوة وأسانيدها وشخوصها وموادها، بل بهدف الاحاطة بعلم اللغة الناشئة بعفوية مطلقة في بيئاتها التي فطرت الناس عليها، كطبيعة جديدة وبديلة عن الطبيعة المعهودة التي تفطر الناس على لغة اشارية أخرى.
غاية الكتاب
وتحت عنوان: “لماذا هذا الكتاب” يقول الباحث: “لم تتمثل غايتي من هذا الكتاب في اعداد قاموس كلاسيكي او متخصص، ولا بالخروج بجرد عام لمفردات خطاب الرشوة وتعابيره، ولا باعداد “مضبطة اتهامية” بحق ممارسيه ومسهليه والمتغاضين عن سريانه. فهذا لم يكن هدفي. ثم نراه يفصح عن سر تأليفه لهذا الكتاب حين يقول: “وحالما ابحرت في عباب هذا المجال، فان ما لفتني في هذا المخزون الكلامي المتناسل والرائج بوفرة في دهاليز الادارات الخدماتية، هو المقامات التي تتذبذب اطرها، والانزياحات المرجعية التي تطال المصطلحات الشائعة في هذا الخطاب (خطاب الرشوة)، فالدوال والمدلولات تتسع وتنفرج وتتأرجج بين الضفاف التعبيرية، لتعبر عما لا يقال، وترمي الى غير ما وضعت له في الأصل، مشيرة الى ما لم تأت به معاني القواميس وتعاريفها. ثم يصرح سراج فيقول: “استفزني الموضوع وراقت لي فكرة معالجته، فاستنفرت قدراتي البحثية ومهاراتي التواصلية، التي اكتسبتها على مر السنين، وطورتها بحكم المراس وبناء على خبراتي الميدانية المتركمة” (ص11)
لغة الريبة
وخطابات الرشوة تماماً كما تحصلت في القاموس الدلالي عند سراج هي عبارة عن نماذج نفسية واجتماعية للتواصل، وهي لذلك، نماذج تداولية بامتياز. ما ذلك الا لان هذه النماذج اللغوية كما سماها هو نفسه، تركز بشدة على مقتضيات السياق التداولي للتفاعل بين المتحدثين، أكثر من تركيزها على عناصر النسق الآلي للتواصل اللغوي بين المتخاطبين. ومع ذلك يمكننا اعتبار هذه النماذج النفسية الاجتماعية التي جمعها الباحث، امتداداً للنماذج اللسانية والاناسية للتواصل الى حد بعيد. اذ بدت من جهة، قادرة على تعميق كثير من الظواهر التواصلية التي ظلت عائمة أو غامضة في تلك النماذج، واضافت اليها، من جهة ثانية، ابعادا تداولية أخرى بديلة عنها، جديدة وملحوظة في النسق التواصلي الانساني، لأي امرئ تكثفه الريبة.
واذ كانت اللغة الانسانية عموماً كما يقول سراج (ص15)، ليست مجرد الة ناسخة تنقل الينا الصور والمشاهد بأمانة، بقدر ما هي مرآة عاكسة لبنانا الذهنية التي تعيد تشكيل هذه المشاهدات، كما تعيد صوغها مفهوميا وبصريا، وفق خلفياتنا الثقافية الاجتماعية، فان نماذج خطابات الرشوة التي قدمها، استطاعت ان تميز، كما نرى، بين شكلين مختلفين من اللغة الانسانية، وهما اللغة الشفاهية واللغة الجسدية. كما بينت بالتالي ان قدراً هائلاً من خطابات الرشوة وأخواتها، خصوصاً تلك المتناقلة أثناء التواصل بين المتحادثين بصورة حية، ما كانت تتم في السياق التداولي عبر قناة اللغة الشفاهية المعهودة، بل عبر قناة أخرى، قناة اللغة الجسدية.
لغة الاشارة
وبرأينا ان “تعدد القنوات” التي يجري فيها التواصل والتحادث بين الأطراف في خطاب الرشوة، ومكا بدا من خلال مؤلف نادر سراج الجديد في هذا الموضوع، هو ما يمكن له أن يساهم في تعزيز الدراسات الألسنية القائمة أصلاً على علم الاشارة. وهناك نظريات كثيرة في هذ االمجال تتحدث عن أن الانسان البدائي كان يحسن الاشارة للتعبير عن حاجته قبل أن يدخل الطور الثاني فيحسن النطق والتعبير عنها. فاليد كانت وسيلة التعبير الأولى عند الانسان الأول، ثم كان اللسان، الذي لم يستطع حتى اليوم أن يكون بديلاً خالصاً عنها. ولعل نظرية من “اليد الى الفم”، تساهم مساهمة فعالة في الكشف عن حقائق لا تزال غامضة في حياة الجسد الانساني.
لغة الجسد
إن اللغة الجسدية التي تحدث عنها سراج في دراسته لخطاب الرشوة، تحتاج الى جهود شاقة في هذا الميدان الجديد للبحث العلمي. فهي لا تشتغل مثل “اللغة الشفاهية” المقترنة بها، على أساس الدلائل اللغوية الحيادية ذات الطابع القاموسي البحث، بل تقوم بالعكس من ذلك على العلامات الجسدية اللصيقة بسمات الكائنات وأشكال الأشياء، الأمر الذي يؤكد الأهمية البالغة للعلامات غير اللغوية في تحقيق أغراض وأهداف وغايات التحادث والتواصل على المستوى التداولي. وهذا ما سوّغ للباحث برأينا تسليط الأضواء على مفهوم “الارسالية“.
توصل سراج في كتابه الى الاستنتاج أن الرائش أي الوسيط بين الراشي والمرتشي، قد يكون وراء ابتداع هذه اللغة. ومبرر ذلك برأيه لأنه “دينامو” المساومات ومحور المقايضات والمشجب الذي تعلق عليه الآمال… ومتى حضر إبان الخطاب وأوحى بحجم “الأتعاب المطلوبة” واختزل بالقول المرام… لا يصح صحيح إلا بوجوده… ولا يتم “تزييت المعاملات” إلا تحت ناظره، أكانت إفراجاً عن معاملة مركونة في درج، أم توقيعاً، أم إيماءة بالموافقة. أم مجرد “ميسد كول” أو رسالة نصية SMS، يعلم بواسطتها “من يهمه الأمر” موافقته العلية”. (ص12).
اللغة الحذرة
إن نماذج خطابات الرشوة التي قدمها لنا نادر سراج، إنما تؤكد على دور العلاقات النفسانية الاجتماعية الخاصة التي تربط على الصعيد التداولي للتواصل لمتحادثين فيما بينهم، بحسب هويتهم الثقافية أو العرقية أو الدينية. ناهيك عن أوضاعهم ومراتبهم الاجتماعية المختلفة، إن من حيث السن أو العرق أو الجنس أو المكانة. بالاضافة الى الدور والتراتبية المهنية. فالمحادثة بين الراشي والمرتشي وبينهما الوسيط، إنما تجري في غرف مغلقة أو في زوايا بعيدة عن الأسماع أو حتى الأنظار، وهي تتم بلغة حذرة تتجنب الفضائحية التي تذهب بالنتائج أو تهدرها.
خطابات الرشاة
لقد ميز سراج بين خطاب الراشي وبين خطاب المرتشي وبين خطاب الرائش وهو الوسيط. ويتصف خطاب الأول بالايحاء بالرشوة والوعد بها والاتيان بأي إجراء أو تلويح بإغراء مالي. ويقول إن معالم هذا الخطأ ـ كان سائداً في خمسينات القرن العشرين. ويقدم نماذج على ذلك “بلغة أبوية مفترضة”: “تشبرق فيهم”. “أنا بشوف خاطرك”. أو “سألت خاطرك”. “أنا ما بنسى الخدمة… تعبك محفوظ”. “حصتك محفوظة بالجيبة، منشالة!”. “ما بتكون إلا مبسوط، خود إجرتك وحبة مسك”. “هيدي هدية صغيرة، هدية للولاد” (ص106).
أما خطاب المرتشي فهو يتصف كما يقول، باعتماد الأسلوب المجازي عموماً. وهو يتوسل تعابير ومفردات غير مباشرة، تحايلية والتوائية المعنى… وتكاد تقع في دائرة الأحاجي والألغاز. أما الأطراف المشاركة، فهي تشكل مجتمعة، مجالاً حيوياً قائماً بذاته لإقامة الارتشاء، عبر وجهها التعبيري اللغوي. وقد استطاع الباحث جمع 124 تعبيراً من خطاب المرتشي. وقال ان منها ما يتوسل أسلوب الدعاء أو التلوين الديني: “الله يخليلك يا هم”، “قول يا رب”، أو أسلوب التودد الاجتماعي: كل عام وأنت طيب. مرق العيد، ينعاد عليك. أو أسلوب الاستعطاف: اتطلع فينا. بدنا نلحس اصبعنا. أو الأسلوب المجازي من واقع الحال: بدها أربع دواليب لتمشي. بدها دفشة. أو الأسلوب السوقي: “ورجينا عملتك” وين حصتنا، أما الصفات التي يستند إليها المرتشي، فهي مستمدة من الوظيفة التي يقوم بها في إحدى الادارات الخدماتية، والتي تخوله إما الموافقة أو الرفض أو الاحالة أو التأجيل والتسويف و”التنييم” (ص125).
وبرأي الباحث ان الصفة الادارية الرسمية ترفد عادة بسمات مكتسبة تدخل في أبواب “الفهلوة” و”الشطارة” و”الحذلقة”. أو كما يقال في اللغة الشعبية اتقان فن “ضرب الكم”. أما الحصيلة اللغوية التي يكتنزها، فقد نحتها المرتشي من الواقع اليومي الذي يعيش تفاصيله، والذي يفرض عليه تلقي الرسائل، لغوية كانت أو إشارية، وانتاج الاجابات اللازمة وإرسالها. ويقول سراج ان الأسلوب الذي يعتمده المرتشي يكون أحياناً مباشراً دونما لجوء الى التكنية والتضمين إلا نادراً. مثل “إيدك على مية دولار. ما بتنعمل بأقل من 150 دولارا. بتكلف شي ميتين دولار“.
ويلاحظ سراج ان الجمل التي يستعملها المرتشي هي فعلية أكثر مما هي اسمية. فالطلب الذي يصدر عن المرتشي هو عادة بصيغة الأمر: بوردها. بللها. بل ريقي. طعمي الجارور. أما الجملة الاسمية فهي على الشكل التالي: “إيدك على عبك وخلي حماتك تحبك”. أو “خلينا نحبك“.
أما خطاب الرائش (الوسيط)، فهو يتصف بنبرة الخبير في علم الارتشاء. وهو يضع علومه “الغزيرة” بتصرف “صاحب حاجة”. يسهل له الأمور ويستفيد ويفيد الراشي والمرتشي. ويرى سراج ان الرائش في خطابه يعتمد حيناً نصائح وتوجيهات ودودة ومهذبة. مثل: “إذا بتشوفي خاطرة”. “إذا بتزيدهم شوي”. “جلغم له تمة” وطلب الحلوينة والاكرامية: “شبرقلي ها العتال”. “فرفحلو شبابه“.
والخطابات الثلاثة لكل من الراشي والمرتشي، كما يرى سراج تقدم على أصل خطاب الارتشاء، والشخصيات الثلاث، قد تحضر في مكان واحد، تتواجه تتساوم، تتبادل الأحاديث والأدوار أحياناً كثيرة. وهي تتفاعل في عملية التواصل بما في ذلك انتاج النص وإرسالة أو تلقيه، أو حتى تعديله، ليتماشى مع واقع الحال. كذلك يجد أن عملية التواصل ليست أحادية الاتجاه (مرسل ـ متلق) لأن المرسل أو المتكلم (الراشي) يعتمد مبدأ التواصل الشفوي، فهو أحياناً يتحول الى “متلقي” من خلال إصغائه. كذلك المرتشي يتحول الى مرسل، يصوغ الرسائل، كي يتفاهم مع زبونه. أما الرائش فهو يعمل على الخطين ويتحول الى صندوق رسائل، تماماً كما يتحول الى ساعي بريد يحمل الرسالة وأحياناً يتحول الى مرسل، حتى يفهم كل من الراشي والمرتشي ضرورات إتمام العملية بنجاح.
مفهومان للرشوة
الى ذلك استطاع الباحث أن يكشف عن مفهومين للرشوة، المفهوم التقليدي كما يقول، المتمثل في مال نقدي غير مشروع، يتم تداوله بين طرفين معينين تسهيل أمر ما او جلب منفعة غير مشروعة او استغلال نفوذ لإحقاق باطل. وهذا المفهوم أصبح جزءاً من الماضي كما يقول أمام المفهوم المتداول اليوم والذي يدخل في باب العمولات والقومسيون والنسب المئوية والتسهيلات ونفقات ترويج الأعمال وP.R. والبزنس، وما إليها. وهي في المفهوم الحديث، مصطلحات مهنية ومحترمة ومعترف بها، لأنها تسهل سير أعمال الشركات الكبرى. أما العاملون في مجالها كما يقول سراج، “فهم يجاهرون بتأديتهم لمثل هذه الخدمات والتسهيلات التي تتسع أحياناً مروحتها العينية لتشمل دفع تكاليف رحلات ترفيهية، إقامة حفلات تكريمية ومآدب، منح أوسمة وميداليات. مع Bonus ورواتب إضافية ومكافآت سخية وتغطية تكاليف شهر العسل” (ص16).
أشكال الفساد “العصرية“
ويعدد سراج أشكال الفساد “العصرية”، فنراه يتوقف عند ثمانية عناوين مختصر مجالات عديدة، تنتهك فيها الأنظمة، ويتم من خلالها التلاعب بالقوانين وتسخيرها لخدمة أغراض ومآرب نفعية خاصة مثل التهرب الضريبي وتخصيص الأراضي على شكل “عطايا” والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية الكبرى، إعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاص قروض المجاملة، العمولات والأتاوات والخوات التي يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة. عمولات عقود البنية التحتية وصفقات الأسلحة، رشوة رجال الصحافة والنيابة والقضاء وجهات الأمن (رشوة نقدية وعينية) لتسهيل مصالح غير مشروعة والحصول على “امتيازات خاصة” بالاضافة الى التوظيف والترقيات العشوائية. (ص16 ـ 17).
خطاب الرشوة الفضائحي
وإذا كان خطاب الرشوة الفضائحي يشيع بين ظهرانينا، فهو يشكل كما يرى سراج لب المعطيات اللغوية التي يحفل بها الخطاب العربي اليومي. ولهذا السبب يراه المدخل الى تتبع الذهنية الشعبية في تطويرها لخطاب الأسلاف واستيلادها التوصيفات العديدة لمفردات الرشوة وإسباغ الكنايات العصرية اللازمة عليها، لتسهيل معاملاتها اليومية.
ويحذر سراج أصحاب الشأن من السكوت عن تفشي هذه الظاهرة، وعدم معالجة أسبابها ونتائجها، ومساءلة القيمين بها، قانونياً وشعبياً وإعلامياً، مما يفضي للنزوع الى توظيفها في المسار التعاملي اليومي، ويجعلها مقبولة في الاخلاد والممارسات، لأنها تتغلغل في الذهنية الشعبية. (ص21).
(1) نادر سراج خطاب الرشوة. دراسة لغوية اجتماعية. رياض الريس للكتب والنشر. بيروت 2008
المستقبل – الاحد 9 آذار 2008