أربعة أسئلة عن «الزلزال المالي»
ما هو مصدر الأزمة؟
من سيكون التالي؟ بعد انهيار «ليمان بروذرز» في الأمس، هل ستغرق مصارف أخرى بفعل الأزمة الماليّة العالميّة؟ هذا هو القلق الرئيسي الحالي في الأسواق الماليّة. فمنذ عام، باتت الصفة المُعدية لأزمة القروض العالية المخاطر أكثر من مثبتَة. إنّ تبعثر المنتجات المسمّاة «سامّة»، أدّى إلى تبعثر الخسائر في كل أرجاء العالم. عولمة المبادلات المالية تجعل أن يكون لإضعاف قطاع اقتصادي واحد، آثار على عدد كبير من المؤسسات على الصعيد العالمي.
فهذه العولمة تؤدّي إلى أن تعتمد كل مؤسّسة، تقديرات خاصّة عن قيمة الخسائر تبعاً لتصرّفات المؤسسة الجارة. بفعل هذه الآليّة، تعيش المصارف هذه الأزمة بتوازٍ على ضفّتي الأطلسي.
وحتّى أول من أمس، بدا القطاع المصرفي وكأنه بمنأى عن «أزمة نظام». خطر انهيار مصرف كبير، كان مخفياً بالنسبة إلى مجموعة النظام المالي، ثمّ بدا أنه مهم جداً لدرجة أدّت بالسلطات السياسية إلى السماح بحصول الإفلاس.
هكذا ضمن المصرف الفدرالي الأميركي إنقاذ مصرف «bear stearns» في آذار 2008، بينما وزارة المال الأميركية وضعت مؤسستي الإقراض العقاري «freddie mac» و«fannie mae» تحت وصايتها. لكن أول من أمس، سمحت واشنطن لـ«ليمان بروذرز» بالانهيار.
من اليوم فصاعداً، بات الإفلاس الكبير يمثّل جزءاً من الفرضيات الواقعيّة. شراء «بنك أوف أميركا» لمؤسسة «ميريل لينش» هو نوع من الإنقاذ المسبق، ونقل الأنظار إلى مرضى آخرين: مصرف «washington mutual» وشركة التأمين العملاقة «aig». وفي أوروبا أيضاً، القلق يزداد وخصوصاً في ما يتعلّق بصلابة المؤسسات البريطانية والسويسرية.
هل تواجه المصارف خطر الإفلاس؟
إفلاس «ليمان بروذرز» معبّر عن أزمة مالية لا تكفّ عن التمادي والتوسّع، ويزيد من مخاطر الكساد في الولايات المتحدة الأميركية كما في أوروبا. «الأثر على الاقتصاد الحقيقي سيكون أقوى في الولايات المتحدة، مركز الأزمة، التي ستطال أوروبا أيضاً، بسبب انفتاح مصارفها على منتجات المصارف الأميركية»، على حدّ تعبير المحللة الاقتصادية ومديرة «مركز الدراسات والتوقعات والمعلومات الدولية» أنييس بيناسي ــ كيري.
الاقتصاد الأميركي ظلّ مقاوماً في الفصل الثاني من العام المالي، مع نمو 3.3 في المئة بمعدل سنوي، وهو معرَّض للغرق تحت الخطّ الأحمر في النصف الثاني من العام، مع انهيار جديد في أرقام البطالة (6 في المئة) حسب توقّعات عدد من الاقتصاديين.
الأزمة الحالية، التي عمّقتها أزمة «ليمان بروذرز»، تذيب في الوقت نفسه رصيد القطاع المنزلي في البورصات. والمستهلك الأميركي، لكونه حسّاساً جداً إزاء «مفعول الثراء»، يخفض إنفاقه، وهو ما سيزيد من التأثير سلباً على النمو مستقبلاً.
ورغم جهود المصرف الفدرالي الأميركي، فإنّ قدرة الحصول على القروض ستكون أصعب وأغلى بالنسبة إلى العائلات. في أوروبا، إفلاس «ليمان بروذرز» سيزيد صعوبات الشركات على تمويل نفسها. والمصارف الأوروبية التي ستلجأ إلى تمويل المصارف، ستعاني تردُّد الدائنين وجبنهم. أما من سيلجأ منهم إلى الأسواق، فسيعانون بدورهم من دفع تكاليف إضافيّة بنسبة 10 إلى 25 في المئة مقارنة مع العام الماضي، وسيواجهون مخاطر زيادة فاتورة تكاليفهم.
أما بالنسبة إلى القطاع العقاري، فسيكون عليه الاستمرار في تدحرجه في بريطانيا وإسبانيا وإيرلندا وفرنسا حتّى.
هل ستنخفض قيمة أسواق الأسهم أكثر؟
من دون مفاجأة، فإنّ عالم البورصة قام بردّة فعل سيئة تجاه خبر انهيار «ليمان بروذرز». «اعتقدنا أنّ نهاية الأسبوع الماضي ستسمح بارتفاع قلق الفاعلين النقديين الأميركيين، غير أنّ الأزمة تعمّقت ونحن نفتقر للمعلومات، وخصوصاً في ما يخصّ شراء «ميريل لينش» من «بنك أوف أميركا»، كما يشرح مسؤول الإدارة في بورصة «ميسشرت» مارك فافارت، الذي يضيف: «وفي الوقت نفسه، أسواق الأسهم امتصّت كل هذه الأخبار السيئة من دون ارتباك كبير. صحيح أنّ قيمة أسهم acp انخفضت 3.78 في المئة، إلا أنها كانت قد حققت أرباحاً بقيمة 2 في المئة يوم الجمعة الماضي».
في المقابل، فإنّه على المدى القصير، ليس متوقّعاً أن يعود الهدوء إلى أسواق الأسهم. «السؤال الكبير اليوم، هو معرفة متى من الممكن أن تنتهي الأزمة. وهنا لا يمكن أن نكون متفائلين»، كما يقول المدير العام لمجموعة «am groupama» فرانسيس آلهو.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ النشاط الاقتصادي لعدد من الدول تدهور في الفترة الأخيرة. وهو ما سيؤثّر جدياً على نتائج عمل الشركات الكبيرة وعلى حركة أسهمها.
ويؤكّد عدد من الاستراتيجيين أنه «يبقى أن نواجه عدداً من الفصول الصعبة.
فالصيف كان دموياً والخريف لن يكون أفضل».
على كل حال، فإنّ الضغوط كانت كبيرة جداً في الأمس على أسواق الأسهم، حيث ازدادت الفروق بين نسب الأرباح والتزامات الدول في آذار قبل قليل من إنقاذ «bear stearns».
ما هي التداعيات المتوقّعة على «الاقتصاد الفعلي»؟
إنّ «جذور الشرّ» التي أجبرت أول من أمس، ثالث أكبر مصرف استثمارات في الولايات المتحدة، «ليمان بروذرز» على تقديم بيانه المالي وإعلان إفلاسه، موجودة عند تقاطع السوق النقدي وقطاع العقارات. الأزمة الحالية بدأت في الصيف الماضي في عام 2007 مع اندلاع أزمة القروض العالية المخاطر.
بشكل ملموس، فإنّ العائلات الأميركية الأضعف اقتصادياً، توقّفت عن تسديد قروضها السكنية التي أُعطيَت بشكل كبير جداً في الفترة الماضية من طريق الوسطاء الماليين. بينما تقنيات تبادل الديون الآجلة مقابل إيداعات عامّة من الديون الآجلة معروضة للتفاوض في الأسواق، فرّقت هذه القروض المشكوك بالقدرة على تحصيلها في عدد من سجلات مؤسسات نقدية ومالية.
بسبب نقص الشفافية في عروض المصارف، فإنّها دخلت خلال صيف عام 2007، في أزمة معمّمة من قلة الثقة، مع نتائج توقّف المبادلات في أسواق تبادل الديون الآجلة وأنتجت كذلك تبخّر أكلاف التمويل بالنسبة إلى جميع الفاعلين الماليين.
إنّ التشويهات التي حصلت على صعيد القروض العالية المخاطر وإقفال الأسواق، أدّت إلى هبوط عظيم في محفظات وقيمة مدّخرات المصارف.
دخلنا إذاً في دائرة سماتها هبوط هائل لقيم الأسهم (500 مليار دولار حتّى يومنا هذا) وزيادات في رأس المال بات تحقيقها أصعب فأصعب.
منذ أكثر من 13 شهراً، أصبحت السيولة الضرورية لعمل القطاع المالي نادرة فعلاً، حتّى إنها جفّت في بعض الحالات، على سبيل المثال في أزمة «bear stearns» في آذار الماضي. والانخفاض الكبير في سرعة النشاط الاقتصادي الذي بدأ منذ أشهر عديدة، انضمّ تحديداً إلى هذه الظاهرة المصرفيّة البحتة.
(عن صحيفة «لو فيغارو». ترجمة: أرنست خوري)
الأخبار