تدخّل الدولة والأنبياء الكذبة
خالد صاغية
رغم الدلالات الخطيرة التي تحملها قضية «ليمان بروذرز» على الاقتصاد العالمي، ثمّة من رأى إيجابيّات في ترك هذه الشركة العملاقة تواجه مصيرها. فقد أدّت الدولة الأميركية أدواراً كبرى لإنقاذ شركات عديدة في الآونة الأخيرة. ضُخّت مئات مليارات الدولارات لشراء شركات مالية أوشكت على إعلان إفلاسها. فساهمت الدولة بذلك في إفساد هذا النوع من الشركات، وتشجيعها على القيام بمغامرات غير مضمونة النتائج. كان يمكن للمليارات هذه، التي تُحصَّل من ضرائب المواطنين، أن تستخدَم في مجالات أخرى كالتقديمات الاجتماعية مثلاً، بدلاً من دعم اللاهثين وراء الربح السهل.
لا يطرح ذلك سؤالاً عن الأسواق المالية وحسب، بل عن دور الدولة أيضاً. فقد استطاعت النيوليبرالية أن تروّج لأسطورة عدم تدخّل الدولة في السوق، متّخذة من «دعه يعمل، دعه يمرّ» شعاراً للإغواء، ما دام كلّ ذنب النيوليبراليين أنّهم يدعون إلى الحرية المطلقة التي يؤمّنها السوق، فيما يحاول جهاز يدعى الدولة أن يحشر أنفه في ما لا يعنيه. لقد مثّلت هذه «الشائعة» ركيزة أساسيّة من سحر الليبرالية الجديدة التي أدّت، في ما أدّت إليه، إلى تدمير دولة الرعاية.
غير أنّ الوقائع، ومنها ما تشهده الأسواق المالية أخيراً، تدحض هذه الشائعة التي تحمل الكثير من السحر والقليل من الصحّة. فالنيوليبرالية لم تكن في الواقع مع الحدّ من تدخّل الدولة في الاقتصاد، بل مع تغيير اتّجاه هذا التدخّل. فبعدما كان دور الدولة ما بعد الحرب العالمية الثانية التخفيف من حدّة التفاوت الطبقي الناجم عن عمليات السوق المنفلتة من عقالها، بات دور الدولة النيوليبرالية التدخّل لترسيخ هذا التفاوت لمصلحة رؤوس الأموال، وأحياناً لمصلحة نوع واحد منها.
ينطبق ذلك على تدخّل الدولة لمنع الإفلاسات، كما ينطبق حتّى على سياسات الخصخصة. صحيح أنّ الخصخصة تعني نقل الملكيّة العامّة إلى القطاع الخاص، لكنّها تعني أوّلاً دولة قويّة تتدخّل في الاقتصاد لفرض عملية نقل الملكية هذه.
آن الأوان لتسمية الأشياء بأسمائها: إنّ ما عاشه العالم في السنوات الثلاثين الأخيرة لا يتعلّق بصراع نظريّ على جدوى تدخّل الدولة، بل بصراع طبقيّ على وجهة هذا التدخّل.