نهاية مفاوضات
ساطع نور الدين
لان ذهاب اسرائيل الى مفاوضات غير مباشرة مع سوريا عبر الوسيط التركي في ايار الماضي، لم يكن قرارا استراتيجيا بالسعي الى سلام على الجبهة السورية الاسرائيلية، بل كان مجرد قرار تكتيكي اتخذه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لاسباب عديدة بينها، وان لم يكن اهمها، وضعه الداخلي المضطرب، فان العودة عن هذا الخيار هي الخطوة الاولى التي ستتخذها رئيسة الحكومة المقبلة تسيبي ليفني او اي شخص آخر يتولى الحكم في اسرائيل.
واذا كان التوجه الاسرائيلي المفاجئ يومها الى تلك المفاوضات التي انعقدت في اربع جولات جدية وكان يفترض بالجولة الخامسة ان تنعقد قبل يومين، اثار جدلا لم ينته حتى اليوم، فان التراجع عنه سيكون مصدرا للكثير من علامات الاستفهام والانذار، التي لا يمكن ان تتوقف عند حد الازمة السياسية الراهنة في داخل اسرائيل وآثارها المحتملة.
عندما اعلن عن التفاوض غير المباشر بين سوريا واسرائيل، لحظة التوقيع على اتفاق الدوحة اللبناني في ايار الماضي، كان الربط بين الحدثين مغريا، الى حد ان بعض اللبنانيين غامر بالقول ان دمشق حصلت على مكافأة لتعاونها في التوصل الى ذلك التفاهم اللبناني… مع ان اللجوء السوري الاسرائيلي الى القناة التركية كان سابقا للقاء الفرقاء اللبنانيين في العاصمة القطرية، ولم يخضع لأي من إيقاعات الازمة اللبنانية الاخيرة.
يومها ايضا بلغ التحليل السياسي اللبناني مداه الاقصى عندما قيل ان قبول اسرائيل بالتفاوض غير المباشر هو تسليم متأخر بهزيمتها في حرب تموز ٢٠٠٦ وبحاجتها الى دفع ثمن تلك الهزيمة على الجبهة السورية. وتراءى للبعض من اللبنانيين انه يشهد بأم العين نهاية المشروع الاميركي في المنطقة، وبدء انسحاب القوات الاميركية من العراق ومن بقية الدول العربية والاسلامية امام زحف قوى المقاومة والممانعة، التي لن تتأخر في تفكيك الدولة اليهودية وازالتها من الوجود.
مهما يكن من امر تلك المفاوضات غير المباشرة، التي يقال انها وصلت طوال الاشهر الاربعة الماضية الى مرحلة حاسمة، وايا كان التقدير لاهدافها الفعلية التي تبدأ طبعا من حرب العام ٢٠٠٦ وتمتد الى ايران مرورا بالكثير من الاحداث الامنية والسياسية التي جرت في العامين الماضيين، فان الاستنتاج بان اسرائيل لم تكن جدية في التفاوض لا يحتاج الى برهان. يبقى السؤال هو ما اذا كانت قد حققت خلال الجولات الاربع عبر الوسيط التركي، واحدا او اكثر من تلك الاهداف التي وضعتها لنفسها.
لا يمكن الافتراض ان ادراج تلك المفاوضات من اللحظة الاولى في سياق الازمة الداخلية الاسرائيلية، كان وسيلة للانسحاب منها عندما يخرج اولمرت من السلطة، وهو ما سيحصل بالفعل، لانه كان يكفي للمفاوض الاسرائيلي ان يعلن ان الجانب السوري لم يستجب لشروط التفاوض ثم يغادر القاعة، من دون ان يشعر باي حرج او تشكيك بنواياه السلمية… والاهم من ذلك من دون ان يشعر بالخطر الذي يلوح جراء قرار ليفني الوشيك باقفال القناة التركية.
ليس هناك استثناء للقاعدة التي تقول ان الخروج من اي مفاوضات اسوأ بكثير من الدخول اليها.
السفير