الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

إعادة التفكير في علاقة الغرب بإيران

باتريك سيل
“يمكن لإيران – بل ويجب- أن تصبح شريكاً للغرب بدلاً من أن تكون عدواً. ونظراً لأن سياسة الغرب الحالية تجاه إيران والقائمة على التهديدات والعقوبات قد أخفقت، فإن الطريقة الأنسب للتعامل معها يجب أن تكون من خلال مفاوضات شاملة، تقود في النهاية إلى شراكه قائمة على الندية والمساواة”. هذه هي بعض الآراء الجسورة لـ”كريستوف بيرترام” المعلق الألماني الشهير، والخبير في الشؤون الأمنية والدفاعية، التي ضمنها كتيبه الجديد، المنشور حديثاً من قبل معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي. وهذا الكتيب هو الأول الذي يختلف بشكل لافت للنظر مع الرأي الذي يتبناه المتشددون في الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي يقول إن إيران تشكل خطراً على العالم بأكمله.
والميزة التي تميز “بيرترام”، هي أنه قد سبق وأدار مركزين من مراكز الدراسات والبحوث البارزة في العالم، وهما المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- لندن. والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية- برلين، ما يجعل آراءه في سياقنا هذا ذات قيمة كبيرة.
وهو يبدأ كتيبه بالقول مباشرة إنه ليس هناك خطر واضح ووشيك من البرنامج النووي الإيراني. فهذا البرنامج، وحتى إذا ما سعت إيران حثيثاً إلى استكماله، فإنها لن تتمكن إيران من تصنيع قنبلة نووية قبل مرور فترة تتراوح ما بين 8 إلى 10 سنوات. وهو يرى أن إيران إذا ما شنت هجوماً نووياً، فإن وجودها ذاته سوف يصبح في خطر؛ لأن إسرائيل وأميركا، وهما تفوقانها بما لا يقاس من حيث التسليح سوف يردان على ذلك الهجوم فوراً (يمكن للولايات المتحدة بسهولة أن تضرب 400 هدف إيراني في اليوم الواحد)، علاوة على أن احتمال إقدامها على ذلك ضئيل؛ فقادتها وإنْ كانوا من النوع الذي يسعى إلى الحصول على الشرعية من الدين، إلا أنهم ليسوا بأي حال من الأحوال من النوع الانتحاري.
و”بيرترام” يقلل من شأن الحجج التي كثيراً ما نسمعها ومنها: أن إيران قد تقدم على تسليم قنبلة للإرهابيين، وأنها تسعى إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية من خلال امتلاك السلاح النووي، وأن السعودية ومصر وتركيا سوف تجد نفسها مضطرة لأن تحذو حذو إيران إذا ما حصلت الأخيرة على سلاح نووي.
يرى “بيرترام” أن العكس هو الصحيح، وأن القوى النووية غالباً ما تكون في غاية الحرص على إبقاء أسلحتها تحت سيطرتها، وأن إيران تتشوق إلي إقامة علاقات جيدة مع دول العالم الإسلامي، كما أن امتلاكها لسلاح نووي قد لا يدفع مصر والسعودية وتركيا للحصول على سلاح مماثل، بدليل أن إسرائيل تمتلك السلاح النووي منذ ما يزيد على 40 عاماً دون أن يؤدي ذلك إلى دفع العرب للتسلح النووي.
وهو يؤمن كذلك أن إيران ليست بحاجة إلى أسلحة نووية كي تلعب دوراً رئيسياً في الشرق الأوسط. وأن امتلاك مثل تلك الأسلحة في أي حال من الأحوال، سوف يؤدي إلى نتائج معاكسة؛ لأن دول المنطقة ستكون مدفوعة في تلك الحالة بالسعي لإقامة تحالفات مع قوى نووية أخرى، وهو ما سيؤدي عملياً إلى الحد من نفوذها فضلاً عن أنها ستخاطر- إذا ما حصلت على السلاح النووي- بالتحول إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية.
ويعترف “بيرترام” بأن إيران لاعب مهم على مسرح الشرق الأوسط بالفعل، حيث يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة، وتمتلك ثاني أكبر احتياطي نفط وغاز في العالم، وأنها أكثر الدول التي استفادت من تدمير قوة العراق ومقدراته بواسطة أميركا، وأن دورها مهم في ضمان استقرار الشرق ولا حل دائم للمشكلة الفلسطينية، ولا تحقيق الاستقرار في أفغانستان.
ويدعو “بيرترام” الغرب إلى تقبل شكل الحكومة الإيرانية الحالية، لأن سياسة تغيير الأنظمة التي يعشقها “المحافظون الجدد”، ليست سوى سراب لم يعد بمقدور الغرب الاستمرار في الاعتماد عليه.
وهو يقول إن هناك تقاليد ديمقراطية في إيران، وإنها دولة ذات تاريخ في التفاعل مع التيارات والثقافة الأوروبية، علاوة على أن رئيسها وبرلمانها يتم اختيارهما من خلال انتخابات لكن المرشحين لخوض تلك الانتخابات يخضعون للفرز أولاً من قبل القيادة الدينية للبلاد.
وهناك مليونا طالب تقريباً في الجامعات الإيرانية نصفهم من الإناث. وعلى الرغم من الرقابة المعمول بها في إيران، فإن هناك مناقشات ثقافية حية في البلاد، وفيها كذلك صناعة سينما ومجتمع مدني، يضم ما لا يقل عن 8000 منظمة غير حكومية.
و”بيرترام” يقترح إطاراً لصفقة بين الغرب وإيران وهي: أن يعترف الغرب بحق إيران في امتلاك دورة وقودها النووي الخاصة، على أن تعمل إيران في الوقت نفسه على فتح صناعتها النووية أمام التفتيش الدولي الشامل. وهو يرى أن هناك عقبات يجب أن تزال أولاً، حتى تصبح إيران دولة مؤهلة يمكن النظر إليها على أنها شريك مستقبلي محتمل للغرب منها ضرورة أن تنأى القيادة الإيرانية بنفسها عن تصريحات وخطب وبيانات الرئيس محمود أحمدي نجاد عن إسرائيل، وموافقتها على خطة السلام بين العرب والإسرائيليين المقترحة من جانب جامعة الدول العربية.
مع ذلك، ليس لدى “بيرترام” أمل في حدوث تغيير جوهري في العقلية والمسلكية الأميركية طالما ظل الرئيس بوش في المنصب، بل وربما بعد ذلك التاريخ أيضاً. وحسب رأيه طالما أن السياسة الحالية تجاه إيران، والقائمة على الاحتواء والمواجهة، قد فشلت، فإن الوقت يكون قد حان لإعادة النظر في تلك السياسة والبحث عن سياسة مغايرة لديها الاستعداد للاعتراف بالنظام الإيراني، واحترام إيران ذاتها كبلد، والانخراط في تعاون واسع النطاق معها؛ لأن تلك هي الطريقة الوحيدة لتبريد الموضوع النووي الإيراني.
إن وجهات نظر “بيرترام” تستحق اهتماماً كثيراً نظراً ما يمثله الرجل من أهمية وحيثية وما يمتلكه من خبرة واسعة النطاق في مجال تخصصه. وترجع أهمية وجهات النظر تلك إلى شجاعته في تحدي التفكير، الذي لا يزال مهيمناً ومتغلغلاً لدى العديد من الجهات داخل أميركا وإسرائيل على حد سواء، بل وبين بعض الزعماء الأوروبيين.
الخلاصة: إن سياسة الغرب تجاه إيران أثبتت عقمها وعدم جدواها، وإن تداعيات العمل العسكري رهيبة بدرجة قد تحول دون مجرد التفكير فيه، وإن الموقف الدولي الحالي البالغ الخطورة يستدعي -وبإلحاح- تفكيراً جديداً ومقاربة مختلفة.
جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى