صفحات سورية

ثمـن التحالـف مـع أميركـا

null
سمير كرم
إذا لم تكن أحداث باكستان الراهنة تقض مضاجع كل حلفاء الولايات المتحدة في العالم الثالث، من حكام وطبقات ونخب مميزة في السلطة والثروة والمعرفة، ومن قادة مخابرات ومسؤولي أمن قومي وغير قومي.. فلا بد أن ثمة شيئا غير طبيعي يساعد هؤلاء على أن يبدوا هادئين، يتجاوز كثيرا المهدئات المعتادة التي يصفها الأطباء (…)
والأسباب كثيرة للنظر الى باكستان باعتبارها أخطر مكان في العالم من وجهة نظر أميركية … واذا كان الامر غير ذلك فلا بد ايضا أن شيئا ما أصاب التفكير الاستراتيجي الاميركي لمرحلة ما بعد ١١ ايلول / سبتمبر ،٢٠٠١ أو فإن الولايات المتحدة لعبت بالفعل ولا تزال دورا أساسيا في ما جرى في ذلك اليوم ونتائجه .. كما تذهب اتهامات تظل تلح وتزداد إلحاحا من مصادر أميركية بالذات.
ومجرد حقيقة أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة والرأس المدبر الاكبر وراء هجمات ١١/٩ يجد ملجأه في أراضي باكستان أو قريبا منها، في ما يسمى منطقة القبائل حيث تنطمس الحدود التي أقامتها بريطانيا بين الهند المحتلة وأفغانستان، كافية لان تجعل حلم جورج بوش الصغير (الرئيس لا الحلم) هو الحصول على رأس بن لادن يقدم اليه على صينية من الذهب أو على الرجل حيا مكبلا بالسلاسل تحمله طائرة حربية أميركية موضوعا داخل قفص حديدي مستعار من إحدى حدائق الحيوان في جنوب آسيا في رحلة سرية من بيشاور الى واشنطن دي. سي. فإنه اذا تحقق ذلك لا يعود مطالبا بأن يسلم الرئاسة الاميركية الى رئيس جديد يوم السبت الثالث من كانون الثاني / يناير ٢ـ.,,٩ أو هكذا نتصور تصور بوش للامور.
باكستان تواجه اليوم أخطر منعطفاتها بعد الحرب التي أسفرت عن تأسيس بنغلاديش في عام ١٩٧١ مما كان يعرف قبل ذلك بباكستان الغربية على مساحة ١٤٤ ألف كيلومتر مربع يسكنها الآن نحو ١٥٠ مليون نسمة … بينما بقيت باكستان »الشرقية« محتفظة باسم باكستان ومساحة أرض تبلغ ٨٠٤ آلاف كيلومتر مربع وتعداد سكاني يربو على ١٦٦ مليون نسمة.
هذا المنعطف الخطر الذي أعاد رسم خريطة شبه القارة الهندية تم بتأييد الولايات المتحدة، فيما كانت باكستان حليفا لأميركا وعضواً في ما كان يسمى آنذاك حلف جنوب شرق آسيا (سياتو) ولم يكن هناك أي إشكال يهدد هذه العلاقة ثنائيا أو دوليا.
الآن تخوض الولايات المتحدة حربا فعلية على باكستان داخل أراضيها وضد سكانها وعلى مرأى من نظامها الحاكم وقواته المسلحة … في ظروف أكثر التهابا بكثير من تلك التي أدت الى تقسيم باكستان وتأسيس بنغلاديش.
لا بلد آخر في العالم في الوقت الحاضر مثل باكستان يدل على مدى استعداد الولايات المتحدة لشن حرب على بلد حليف لها مرتبط بها بأقوى الروابط العسكرية والسياسية والاقتصادية والمخابراتية … في منطقة تتفجر بالأسرار فوق الارض وتحت الارض.
ولا بلد آخر في العالم في الوقت الحاضر مثل باكستان يكشف حدود القوة الاميركية بعد انقضاء سبع سنوات على أكبر فجيعة أميركية في التاريخ … على الرغم مما تملك أميركا من أسباب القوة الهجومية والدفاعية، فهي غير قادرة على توجيه ضربة قاصمة لتنظيم القاعدة أو ضربة رمزية بأسر زعيمها.
ولا بلد آخر في العالم في الوقت الحاضر مثل باكستان يبين مدى إخفاق الولايات المتحدة في فرض سياسة حظر انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مع أنها لا تكف عن الكلام الرسمي وغير الرسمي عن مخاطر وقوع سلاح نووي بأيدي تنظيم إرهابي كالقاعدة، فيما تبدو منغمسة في هذا الفشل لواحد من أهم أهداف استراتيجية الأمن القومي الأميركي .. خاصة في التعامي عن ترسانة اسرائيل النووية. ومن أجل التعتيم على هذا التعامي ترك القوتين النوويتين الجديدتين في الهند وباكستان عند حدود القبول.
والمعاني التي تنطوي عليها هذه الحقائق الفريدة التي تضع باكستان في بؤرة العاصفة في ذكرى مرور سبع سنوات على هجمات ١١/،٩ تكفي للدلالة على أن هذا البلد معرض اليوم، إن لم يكن لغزو عسكري أميركي مباشر على غرار غزو العراق، فعلى الاقل لعملية تمزيق أوسع نطاقا مما حدث في عام ١٩٧١ كي تعطي الولايات المتحدة لنفسها سيطرة عسكرية على مناطق واسعة من شرق الاراضي الباكستانية، تلحق عسكريا بجبهة أفغانستان، وتبرر نقل قوات أميركية مزودة بأسلحة للدمار الشامل ـ نووية وكيماوية وبيولوجية ـ الى المنطقة الواسعة التي تتصور المخابرات الاميركية أو تقدّر وجود قيادات »القاعدة« في إطارها.
ففيما يتركز الاهتمام الاعلامي على الخسائر المدنية التي تسفر عنها الهجمات الاميركية بالصواريخ والقاذفات والمقاتلات على مناطق باكستان الحدودية مع أفغانستان، فإن العمليات العسكرية الاميركية توحي بما هو أكثر من ذلك وأخطر. وتشير الدلائل ايضا الى أن الولايات المتحدة تتصرف وكأنها قد استيقظت فجأة على حقيقة أن الحرب على الارهاب لا بد أن يكون مسرحها الرئيسي في مناطق حدود باكستان مع أفغانستان. وعندما أعلن الرئيس بوش نيته سحب ثمانية آلاف جندي أميركي من العراق قبل نهاية إدارته لإرسالهم الى أفغانستان، بدا وكأن بوش يحاول أن يؤكد انه لن يترك تصاعد هجمات وإنجازات طالبان في الفترة الاخيرة يستمر. وظهر بوضوح في الوقت نفسه أن الامر يتعلق بما تقوم به القوات الاميركية من هجمات ضد أهداف باكستانية لا أفغانية.
كذلك فقد فسر هذا التبديل في مواقع المارينز من العراق الى أفغانستان بأنه يعكس أكثر ما يعكس رغبة الجمهوري بوش في زيادة فرص الجمهوري جون ماكين في الفوز بالرئاسة. وقد يكون هذا صحيحا، خاصة بعدما قال المرشح المنافس الديموقراطي باراك أوباما ان حرب أفغانستان ينبغي أن تكون لها الاولوية على العراق اذا أرادت أميركا أن تحرز تقدما حقيقيا في حربها ضد الارهاب.
لكن ماذا يمكن أن تكون الحال حين تتواصل حرب أفغانستان بين طالبان وقوات حلف الاطلسي المدعومة أميركيا دون أن تسفر عن تطور حاسم يتعلق بتنظيم القاعدة؟
إن أميركا تقترب بمزيد من التركيز على أفغانستان، وتوسع نطاق عملياتها في شرق باكستان في محاولة لتشديد قبضتها في منطقة يصفها الطوبوغرافيون في البنتاغون بأنها مقر قيادة »القاعدة« ومحل وجود بن لادن. لقد نشر ان بعض الخبراء الاميركيين أبلغوا بوش بأنه حتى لو سلم اليه رأس بن لادن فإن هذا لن يعني تقويض تنظيم القاعدة. لكن تجارب بوش خلال ثماني سنوات في الرئاسة، منها سبع في الحرب على الارهاب، بما فيها الحرب على العراق، تثبت أنه شديد الولع بالاستعراضات المؤثرة بصرف النظر عن النتائج. وأبسط ما يمكن قوله انه لم يتعلم درس استمرار حرب العراق بعد أسر صدام حسين وحتى بعد إعدامه.
ولقد جاء سقوط برويز مشرف، بعد خدمة استمرت تسع سنوات للعلاقات الاميركية الباكستانية، نال خلالها صمت واشنطن عن قوة باكستان النووية وهي التي ذهبت في معارضتها الى حد رعاية سجن رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، الاب الحقيقي سياسيا لباكستان نووية ثم رعاية إعدامه. وصمتت ايضا عن دكتاتورية مشرف وحتى عن اغتيال بناظير بوتو بعد عودتها من الولايات المتحدة الى باكستان مباشرة. جاء سقوط مشرف حلقة أخيرة في سلسلة أحداث هزت باكستان بشدة دون أن يبدو على الولايات المتحدة قلق … فالاهتزازات السياسية والامنية كثيرا ما أتاحت الفرص لأميركا لتنفيذ خطط السيطرة. وربما لهذا لا يبدو أي اختلاف بين ما كان في ظل حكم مشرف وما هو الآن في ظل حكم اصف زرداري .. على الاقل في ما يتعلق بالروابط بين باكستان والولايات المتحدة.
ان الرئيس الاميركي الذي لم يبق له في السلطة إلا ثلاثة أشهر، لم يتردد في أن يصدر قرارا سريا على درجة كبيرة من الخطورة يسمح للقوات الخاصة الاميركية بأن تقوم بعمليات داخل أراضي باكستان دون تصريح من حكومتها ودون التشاور مع الدول الحليفة القريبة من واشنطن وإسلام أباد، مع ان العالم كله يعرف ان أميركا استشارت السعودية بشأن مصير برويز مشرف وسألتها اذا كانت تستقبله كلاجئ سياسي.(…) والقرار سابق على قيام وحدات من القوات الخاصة الاميركية بهجوم محدد على أحد الاهداف في منطقة وزيرستان الباكستانية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرين مدنياً باكستانياً لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالقاعدة أو الارهاب. ولم يتساءل أحد في الكونغرس الاميركي، مثلا، عن الاساس القانوني الذي استندت اليه الولايات المتحدة في هذا القرار. الآن والمخابرات الاميركية تتهم المخابرات الباكستانية بأنها تعرقل نشاطها ضد طالبان، وعرقلت عمليات أميركية وقدمت مساعدات لطالبان في أفغانستان، يصبح المجال مفتوحا أمام تحرك أميركي واسع داخل باكستان، وحتى ضد القوات الباكستانية. وبعض المصادر الاميركية يضيف اتهاما آخر الى المخابرات الباكستانية والجيش الباكستاني بأنهما يحميان العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان ويحولان دون القبض عليه بتهمة تسريب أسرار نووية الى دول (صفتها الاولى انها معادية لإسرائيل). ولا شك بأن الظروف الداخلية المضطربة في باكستان تتيح فرصا كبيرة للتدخل العسكري الاميركي.
[[[
هكذا يبدو أن الولايات المتحدة توجه رسالة الى حلفائها في العالم الثالث: بعد باكستان ومثل باكستان كل شيء ممكن، فمن ليس مع أميركا على طول الخط فهو ضدها. ومن هو ضدها فهذا هو نصيبه من التحالف.
ليست ظروف الجميع مثل ظروف أفغانستان .. ولكن ليس من الصعب خلق تلك الظروف.
فمن من حلفاء أميركا يستطيع أن يغمض له جفن؟
([) كاتب سياسي عربي من مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى