سوريا والإرهاب
سوسن مهنا
صورة العاصمة السورية بعد التفجير الأخير تبدو بوجهين، الوجه الأول أمني: رجال أمن ينتشرون بسرعة وكثافة في محيط موقع التفجير كما يُمنع الاقتراب “بحرفية واضحة” بسبب الطوق الأمني. الوجه الثاني طبيعي: صورة مدينة تعيش يومياتها، وكأنها تعتبر الحدث الأمني هامشياً، وهذا بحسب تعبير المراقبين أمر طبيعي لدولة لا تشهد عادةً مثل هذه الأحداث، وهي تحظى بأمن ممسوك لا يبدو أنه اهتز بنظر مواطنيها حتى الآن.. هذا ما لمسناه من العديد من المحللين الذين رددوا على مسمعنا تصنيف سوريا الدولة الثالثة في العالم من ناحية الأمن الاجتماعي، إلّا أنّ الصورة تبدو أكثر تعقيداً عندما يدخل هؤلاء في التفاصيل؛ حيث يبدو هناك توافق على أن الهدف المركزي لهذه العملية هو “تشويه صورة سوريا كدولة آمنة”.
أغلب المراقبين يتحفظون عن الكلام، وهنالك شعور كبير لديهم بالمسؤولية كأنهم جزء من عملية التحقيق، إنما زفرات بعضهم واضحة وتشي بقلق من محاولة تقويض صورة الأمن في البلاد. واعتبر أحدهم (رفض الكشف عن اسمه) أنّ “المخطط واضح، إنهم يريدون التأثير على صورة البلد داخليًا وخارجيًا، دول إقليمية كإسرائيل وغيرها، وقوى دولية كالولايات المتحدة الأميركية”.
بعض المصادر السورية القريبة من النظام إستبعدت أن يكون هذا التفجير عملاً إرهابياً نفذه تنظيم القاعدة “لأن مثل هذا العمل وطريقة تنفيذه ليسا من النوع الذي يعتمدهما تنظيم القاعدة، فضلاً عن كون القاعدة لا تعتبر سوريا هدفاً رئيساً لها بقدر ما هي منطقة عبور”. هذا فيما عبّر لنا وزير سوري سابق عن يقينه بأنّ ما يحدث هو “تطويع للموقف السوري بعد الانفتاح الغربي على دمشق”، كما اعتبره “انتقاماً من سوريا بسبب دعمها للمقاومة”.
الانفجار
وقع التفجير على مفترق طرق يؤدي إلى محلّة القصاع وآخر إلى أوتوستراد بيروت وثالث إلى المطار ورابع إلى مزار السيدة زينب. ومن الصعب أن تصل إلى مكان الانفجار بسبب طوق أمني محكم منعنا من التقاط الصور. عدد القتلى كبير بسبب الاكتظاظ على هذا الطريق الذي تسببه أعمال الصيانة على طريق الاوتوستراد. وقال لنا احد السائقين العموميين: “نشكر الله انه يوم سبت وان المدرسة الابتدائية القريبة من مكان الانفجار مقفلة والا كنا شهدنا كارثة”.
رئيس مركز المعطيات السورية عماد فوزي شُعيبي سخر من ربط اسم السيدة زينب بالعملية والولوج من خلال ذلك إلى أنه استهداف للشيعة والإيرانيين الذين يزورون مقامها هناك، وقال: “التفجير على بعد 7 كيلومترات من المقام وهو لا يستهدف إلا صورة الأمن والاستقرار في سوريا”، مؤكدًا أن “الحديث عن شيعة وسنة هي لعبة المحافظين الجدد ومن وراءهم، وهي غير قابلة للصرف في سوريا”.
وإذ توجه الى من وصفهم أعداء سوريا بالقول: “سوريا اليوم في موقع قوي والعالم منفتح عليها وبحاجة لها في عدة ملفات إقليمية”. شدّد شعيبي على أن “سوريا ستُظهر للغرب أنها رأس حربة في مكافحة الإرهاب، مما قد يؤدي الى المزيد من الانفتاح عليها”، متوجهًا إلى من “لم يدن هذا العمل الإرهابي” بالقول: “إنهم يكشفون عورتهم وتناقضاتهم وازدواجيتهم؛ بشرنا ليسوا أغناماً وسيضطرون للإدانة لاحقاً رغماً عنهم، وإلا فليس أمام السوريين إلا أن يتهموهم بالعنصرية.”
برودة لافتة وصمت السوريين الذين لا ترى أنهم يشعرون بخطر داهم عليهم إذ يعتبرون أن لديهم دولة وأن هذه الدولة قوية لا تؤثر عليها مثل هذه العمليات، وأنها ـ أي العمليات ـ فقط تشتت ولا تربك، “الهدف منها فرقعات إعلامية” حسب تعبير أحد وزراء الإعلام السابقين.
بدوره يقول شعيبي: “لو قاموا بالعمليات أثناء محاولة عزل سوريا لكان لذلك تأثيرٌ ولو طفيف، ولكن سوريا اليوم في قلب اللعبة ومن يلاعبها اختار الزمان غير المناسب”.
أما الدكتور مهدي دخل الله وزير الإعلام السوري السابق فيرى أنّ “العملية موجهة ضد استقرار سوريا هي المستقرة في منطقة غير مستقرة بعد الانجازات السياسية الخارجية”، مؤكدًا أنه “لا صورة أمنية مبالغ فيها في دمشق حيث تستطيع أن تلمس جدار السفارة الأميركية دون مظاهر أمنية، وسوريا هي الأقل تعرضاً للإرهاب”. وذكّر دخل الله بقول الرئيس السوري بأن “نجاح الحرب الأميركية سيضاعف الإرهاب. وإذا خسرت أميركا الحرب فإن الإرهاب سيتضاعف أكثر”.
بوابة الإعلام في وزارة الداخلية السورية موصدة، تكتفي بالبيان الرسمي الذي تحدث عن عملية إرهابية وعن تحقيقات تقوم بها وحدة مكافحة الإرهاب المركزية، والصمت هو ما يلف المكان، فوزير الداخلية كما يردد مكتبه الإعلامي أكد أن العمل إرهابي ووصفه بالجبان، ولكنه امتنع عن توجيه الاتهام لأي جهة بانتظار جلاء الصورة النهائية للتحقيق.
إبراهيم دراجي أستاذ القانون الدولي في جامعة دمشق أكّد أنه “لا يزال من المبكر أن نعرف من المستهدف حتى تتضح الأبعاد الأمنية كلها، لكن كل تفجير يستهدف مدنيين ولا يميّز بين الضحايا فهو عمل إرهابي”.
وفي هذا الموضوع يشدّد دخل الله على أن “سوريا لن توجه الاتهام جزافاً، فالسرية هي لخدمة التحقيق”. وقال إنه “من المبكر التكهن حول هدف التفجير”. وعن المعلومات التي تحدثت عن استهداف شخصية أمنية قال: “من المبكر الحديث عمّن استهدف الانفجار قبل جلاء التحقيق”.
وعن شائعات تحدثت عن وقوع كويتي ضحية لهذا الانفجار بين السوريين الآخرين، يرى مصدر في الداخلية السورية رفض الكشف عن اسمه أن “الهدف من مثل هذه الإشاعة التأثير على الصورة السياحية أيضاً لسوريا وإبعاد “الأخوة العرب” عن دمشق في عيد الفطر السعيد”.
من وراء هذه العملية؟
اغتيل العميد محمد سليمان في منتجع طرطوس وقبله كانت عملية اغتيال القيادي في “حزب الله” عماد مغنية… هناك من يربط كل هذه العمليات بطاولة المفاوضات السورية الاسرائيلية “المؤجلة”.
وهناك من يقول ان “سوريا يقظة لما يجري وتصلها تلك الوشوشات، فلا هي بوارد التخلي عن حلفائها بهذه السرعة القياسية ولا هي بوارد استدارة 180 درجة في مقابل مفاوض اسرائيلي مترجرج، وراع اميركي يتقرب، وأوروبي حاضن”.
هل هي “عرضية” كما يقول “الشوام”؟ أم أنها “هزّ عصا” كما يقول آخرون؟ أم غير ذلك؟ يبدو أن لا معلومات تخدم هذا السؤال؟ فهناك من لا يربط بين كل هذه العمليات، وهناك من يربط بين الأخيرة واغتيال محمد سليمان فقط … لا جواب إلا التكهنات.