حسين العوداتصفحات سورية

تولي البعث السلطة.. بعض من التاريخ

null


حسين العودات
استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في سوريا يوم 8 مارس 1963 بانقلاب عسكري شاركته فيه قوى ناصرية وقومية ووطنية أخرى، تحت مبرر الرد على انفصال الوحدة السورية المصرية الذي حدث قبل هذا التاريخ بحوالي عام ونصف
.

وكان هذا المبرر هو الشعار الرئيس للانقلاب الذي ما لبث أن سُمي «ثورة»، وقد أيد معظم أبناء الشعب السوري الانقلاب بسبب هذا الشعار والتف حوله ودعمه، وشكل المنقلبون المجلس الوطني لقيادة الثورة حيث تمثل فيه أعضاء من الشركاء جميعاً تقريباً.

ونظراً لأن برنامج الانقلاب (الثورة) لم يكن واضحاً باستثناء إعادة الوحدة السورية ـ المصرية، فما لبث الشركاء أن اختلفوا منذ الأيام الأولى حول طريقة إقامة الوحدة (وحدة اندماجية، وحدة فورية، وحدة اتحادية ..الخ).
ثم بدأ البعثيون عزل الآخرين وطردهم من مجلس قيادة الثورة ومن المسؤوليات العليا العسكرية والمدنية التي تسلموها عند قيام «الثورة»، فرد هؤلاء بمحاولة انقلاب عسكري في يوليو من السنة نفسها لاقت فشلاً ذريعاً، وسالت الدماء وحكم على بعض المشاركين في الانقلاب بالإعدام، وأُعدم بعضهم وهرب البعض الآخر خارج سوريا
.

وشيئاً فشيئاً أصبح الحكم خالصاً بيد الضباط البعثيين، وحاول حزب البعث في الوقت نفسه لملمة صفوفه وإعادة تنظيماته (بعد أن كان قد حل نفسه بعد قيام الوحدة السورية ـ المصرية عام 1958)، وتواصل مع السلطة العراقية التي كان حزب البعث قد استولى عليها قبل شهر، أي في فبراير من العام نفسه.

كان حزب البعث فصيلاً ناشطاً وقوياً من فصائل حركة التحرر العربية في الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي، وله نفوذه في بلاد الشام والعراق خاصة، لكن منطلقاته وبرامجه كانت غامضة وعمومية وأقرب إلى الثوابت.

ولذلك ما أن تولى السلطة في سوريا والعراق حتى ظهرت الحاجة جلية لتطوير مبادئه وبرامجه، واستكمال استعداده لتولي السلطة وقيادة الدولة والمجتمع، فأخذت الآراء ووجهات النظر والحاجة لتطوير المنطلقات تفرض نفسها على البعثيين أفراداً وتيارات، وتبعتها خلافات حادة بينهم وصلت إلى التناقض والانشقاق والفراق.

انتصر في البدء ـ بعيد مارس 1963 ـ التيار «اليساري» في حزب البعث، ووضع منطلقات نظرية للحزب كان محورها ما سمي «التلاحم بين النضال القومي والنضال الاشتراكي»، وتبنى «الطريق العربي إلى الاشتراكية» بدلاً من «الاشتراكية العربية» كما كان الأمر سابقاً.

ولاقت هذه المنطلقات معارضة من تيار من البعثيين على رأسهم «تيار المؤسسين» الذين رأوا فيها «تطرفاً» وذهاباً بعيداً «نحو اليسار»، وكانوا يسيطرون على القيادة القومية التي بادرت عام 1965 إلى حل القيادة القطرية السورية المتهمة باليسارية، وتولت السلطة في سوريا بدلاً عنها، وكان قد حدث الأمر نفسه في العراق في خريف عام 1963 مما سهل الإطاحة بحكم حزب البعث هناك.

ردت القيادة القطرية السورية المنحلة على حلها من قبل القيادة القومية، بانقلاب عسكري (حركة فبراير 1966)، وتولت السلطة كلياً في سوريا وأعلنت منظمات جديدة ونهجاً جديداً للحزب والسلطة، وتبنت المنطلقات النظرية اليسارية وباشرت في تطبيق برامج في سوريا ذات طابع اجتماعي تقدمي (سميت بالخطوات الاشتراكية).

وأنجزت عديداً من المشاريع في هذا الاتجاه (بناء سد الفرات، استثمار النفط، استثمار المعادن الأخرى، الإسراع بتنفيذ الخطة الخمسية، إنجاز البنية التحتية ..الخ)، ومتنت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية والتقدمية في العالم، ونادت بتضامن عربي بين الدول العربية التقدمية، مع عداء واضح للدول العربية المعتدلة، وعينت مجلساً للشعب أعطته بعض الصلاحيات.

ولكن عدوان يونيو 1967 والهزيمة العربية غيرت المفاهيم والمسار، وانعكست خلافات داخل القيادة القطرية وداخل حزب البعث، وما لبثت أن انتهت إلى انقلاب عسكري أبيض هو «الحركة التصحيحية» نوفمبر 1970، التي تولاها وقادها الرئيس الراحل حافظ الأسد وكان عضواً في القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث ووزيراً للدفاع في سوريا.

بعد فترة من التردد (والقلق) يبدو أن الرئيس حافظ الأسد قرر بناء دولة ذات نظام شمولي وسلطة فردية، مع وعي كامل بإبقاء خيمة حزب البعث منصوبة فوقها، وإقامة تحالف مع التيارات السياسية السورية بما فيها الأحزاب الأخرى (وجميعها كانت غير مرخصة)، والعمل على تفريغ هذه الأفكار والمنطلقات في دستور دائم وشامل للجمهورية العربية السورية، يضمن السلطة للرئيس ويعطيه صلاحيات استثنائية ومستقرة.

وقبل وضع الدستور الدائم اتخذ الرئيس الراحل حافظ الأسد عدة إجراءات لها علاقة وثيقة ببنية الدولة المقبلة، وذلك بقوانين أو مراسيم أصدرها، فشكل قيادة قطرية (مؤقتة)، ثم أجرى استفتاء على تسلمه مهام رئيس الجمهورية (أبريل 1971).

وبدأ العمل لتشكيل جبهة من معظم الأحزاب السورية التي ما لبثت أن توصلت إلى ميثاق الجبهة عام 1973 ووافقت عليه سُمي «ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية»، وكان الميثاق في الواقع مفصّلاً حسب رؤية الرئيس حافظ الأسد للدولة، ورغبته في حكمها بقبضة حديدية (وكان عددها ثمانية أحزاب)، ولم يوافق حزب واحد على الميثاق وهو حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي الناصري.

فخرج عن الإجماع وتحول إلى حزب معارض وما زال، كما أصدر الرئيس عدة مراسيم وقوانين ذات علاقة بهيكلية الدولة، جهدت جميعها لتكريس حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع (المادة 8 من الدستور)، وإعطاء كل السلطة لرئيس الجمهورية. ومع الزمن تحولت الثورة إلى دولة والدولة إلى سلطة صار حزب البعث العربي الاشتراكي والجبهة الوطنية التقدمية جزءاً من وسائلها وأدواتها، واستقر النظام منذ خمسة وأربعين عاماً وما زال.

حسين العودات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى