الإرهاب الذي ضرب دمشق.. أكثر من احتمال
علي بدوان
من الصعوبة أن تحصد أي من القوى السياسية أو حتى المجموعات الإرهابية أي نتائج ايجابية لأعمال القتل العشوائية المدانة سلفاً من المجتمع الدولي ومؤسساته الحكومية وغير الحكومية،
فالإرهاب خطا في تحوله المتسارع كعملية قسرية ممرها أجساد المدنيين من كافة الأعراق والألوان والملل، متحولاً إلى صناعة احترافية لعينة، حيث لا يميز بين أهداف سياسية مباشرة/ أو غير مباشرة يمكن لها أن تتحقق.
كما أن الإرهاب نقيض السياسة، باعتباره سلوكاً فجاً بلغة دموية عمياء لا تميز أيضاً بين الضوابط الخلقية التي فطر الناس عليها، وتالياً لم تؤد عملية ممارسة الإرهاب ذاته، أية أهداف سياسية سوى إعادة تأزيم القضايا الخلافية الموجودة في مناطق وبؤر عديدة من المعمورة.
فالحادث الإرهابي الجديد الذي ضرب دمشق مؤخراً، وتحديداً جوار حي القزاز الشعبي الواقع على مفترق طريق مطار دمشق الدولي ومنطقة السيدة زينب، مستهدفاً المدنيين الأبرياء، فعلاً مداناً بكل المقاييس والمعايير. فقد استهدف عامة الناس أثناء توجههم لأعمالهم اليومية، وكان من حسن الحظ أن يوم حديث التفجير الإرهابي كان يوم عطلة رسمية للمدارس، وهو ما خفف من الخسائر حيث وقع الانفجار في مكان ملاصق تقريباً لمدرسة القزاز الابتدائية المختلطة التي تضم ألف تلميذ وتلميذة من أبناء حي القزاز الشعبي.
فيما قيل من بعض المصادر بأن السيارة المفخخة انفجرت أثناء انتقالها من وإلى مكانها المعد لها لإحداث التفجير، وان الهدف الأساسي كان استهداف منشأة أجنبية في مكان آخر من دمشق تتمتع بالحصانة والحماية من قبل السلطات المحلية في الدولة المضيفة، حيث استهدافها يسييء لسوريا وسيادتها وأمنها الوطني بالدرجة الأولى، في لحظات حرجة، تحتاج فيها دمشق لاستكمال جهودها لتمرير وتجاوز حملات الضغوط الدولية، والأميركية منها على وجه التحديد، التي مافتئت تتواصل منذ فترة ليست بالقصيرة.
وبهذا، إن التفجير العنيف الذي هز منطقة جنوب شرق دمشق صباح (27/9/2008) والذي لقي إدانة عربية ودولية شاملة، وتعاطفا كبيرا من قبل قادة العالم مع دمشق، وبرقيات التعازي التي لم يسبق لها مثيل من قبل، هذا التفجير يشكل فصلاً آخر من فصول المحاولات الجارية لنقل نيران التخريب الداخلي إلى سوريا.
ومحاولة فاشلة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء بعد أن نعمت سوريا بنوع جيد من السكينة والارتياح مع انبعاث غول الإرهاب من قوقعته في أكثر من مكان في منطقة الشرق الأوسط، وهو انبعاث ليس بالبعيد عن الأدوار الإسرائيلية خصوصاً وأن استهداف دمشق هذه المرة يأتي بعد أقل من عام من استهداف آخر طالها بعملية اغتيال وقعت في أحد أحيائها لقائد من قادة المقاومة الوطنية اللبنانية.
كما أن الرسالة التي حملتها العملية الدموية الإرهابية التي استهدفت أحد أحياء دمشق كانت تحمل عنوان دمشق الأشمل، وما تشكله عاصمة الأمويين بالمعنى التاريخي والراهن، وبالمعني الجيوبولتيكي، من بعد وحضور قومي في سياق الصراع طويل النفس ضد حلول التسوية الإسرائيلية الأميركية المطروحة تحت سقف حق القوة في مواجهة قوة الحق في فلسطين وسوريا ولبنان، وفي سياق التشديد المرئي والملموس من عمليات الابتزاز.
ومن سيل الضغوط الأميركية والغربية على دمشق لدفعها نحو تسديد فواتير جديدة على حساب سيادتها وحقوقها الوطنية، والانتقاص من رؤيتها النابعة من حرصها على دورها ووزنها الإقليمي الذي أسس له الرئيس الراحل حافظ الأسد، وانتقل به من « سوريا الدولة المتنازع عليها إلى الدولة الإقليمية المقررة وذات الوزن والحضور ».
ومع أن التغليب مازال يؤشر على أيادي وبصمات مجموعات إرهابية، وهو تغليب منطقي ترجحه عوامل مختلفة، إلا أن قوس الاحتمالات جميعها يبقى قائماً بما في ذلك الاحتمال المتعلق بلجوء أطراف صاحبة مصلحة في بث الفوضى والعبث بأمن سوريا وفي المقدمة منها الدولة العبرية الصهيونية صاحبة الباع الطويل في تدبير وإدارة عمليات إرهابية في المنطقة العربية بشكل خاص.
حيث سبق الحادث الأخير عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية في حي كفرسوسة الدمشقي، وقبل ذلك اغتيال الشهيد عز الدين صبحي الشيخ خليل من حركة حماس بتفجير سيارته في دمشق عام 2004 في حي الزاهرة وعلى مقربة عدة مئات من الأمتار من مداخل مخيم اليرموك الفلسطيني.
فإسرائيل تمتلك تاريخاً كبيراً وعريضاً في القيام بأعمال أمنية في الدول المجاورة وحتى البعيدة بما في ذلك الاغتيالات والتصفيات والتفجيرات، حيث الأعمال الإرهابية من أبجديات السياسة الصهيونية الفاشية الممزوجة بالعنصرية القاتلة وهي السياسات التي دفعت بها نحو ممارسة الإرهاب بشكليه الفردي والجماعي.
عدا عن ذلك فان إسرائيل تمتلك خبرة عسكرية وأمنية وأساليب هائلة وخبرات متراكمة بيد جهاز عملياتها الخارجية المسمى بجهاز (الموساد) وهو جهاز أمني معروف بتكاتفه وتعاونه الوطيد في عملياته الخارجية مع جهات إقليمية ودولية مختلفة، حيث سبق أن كانت تسيبي ليفني المكلفة الحالية بتشكيل الوزارة الإسرائيلية احد الضباط العاملين فيه .
ومن المتورطين بتصفية العقيد مأمون مريش من قيادة القطاع الغربي (قطاع الأرض المحتلة) التابع لحركة فتح عام 1985، كما في دس السم لعالم ذرة عراقي في العاصمة الفرنسية باريس عندما كانت ليفني تعمل في محطة الموساد في باريس.
فالاعتداء الأخير الذي وقع في دمشق أبعد من مجموعة تخريبية إرهابية فقط ارتبطت بجهات خارجية إن كان الموساد أو غيره، فهو اعتداء ذو وظيفة سياسية بامتياز في استهداف سوريا وسياساتها الخارجية بما يتعلق بالقضايا العربية، وفي إطار الضغوط التي تعرضت ومازالت تتعرض لها سوريا لقاء مواقفها المعلنة تجاه قضايا العرب المصيرية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية.
إن الحادث المدان الذي وقع في دمشق الفيحاء صبيحة اليوم التالي من ليلة القدر، لا يمكن إلا أن يقابل بالاستياء في بلد يتعرض للضغوط الخارجية، فيما نعمة الأمن والاستقرار تمتد فوق ربوعه. فأمن سوريا الشام يبقى ضرورة وطنية وقومية في سياقات الحد الأدنى من الموقف العربي المتماسك أمام مشاريع سياسية تطل بنفسها كل يوم على الساحة العربية، وكلها مشاريع مجزوءة تنتقص من الحق الوطني والقومي.
البيان الإماراتية