فوكوياما لـ”النهار”: قلق على لبنان وواشنطن ارتكبت أخطاءً عدة في سياساتها في الشرق الاوسط
هذا المفكر الذي عُدّ أحد المساهمين في ادارة الرئيس الاميركي الراحل رونالد ريغان، واضطلع بدور اساسي مع المحافظين الجدد، قبل ان يتخذ مسافة من “الاجندة” التي وضعتها ادارة بوش في الشرق الاوسط منذ 2002 ، ينتقد اللجوء الى القوة في التعامل مع الاسلام المتطرف، “لان من شأن ذلك ان يدفع الافراد الى دعم المتطرفين والارهاب”، داعيا الى اعتماد مقاربة اكثر تطورا من منطلق ان المشكلة سياسية اكثر منها عسكرية. ومعلوم ان فوكوياما كان انضم الى المطالبين بانهاء حرب العراق واستقالة وزير الدفاع الاميركي السابق دونالد رامسفيلد في السنوات الاخيرة.
تساؤل وقلق يعبر عنهما الاستاذ المحاضر في الاقتصاد السياسي الدولي ومدير برنامج التنمية الدولية في “معهد بول نيتشه للعلوم الدولية المتقدمة” في جامعة جون هوبكنز في واشنطن. الاول يتناول النظام الايراني الذي كان توقع تفككه، معلقا:”لا ادري ما اذا كان هذا النظام سيكون مرضيا لجيل الايرانيين المقبل”. اما القلق فيتناول الازمة اللبنانية حيث تسود “الديموقراطية التنازلية” كما يسميها. فالمشكلة في هذا النظام انه “صارم جدا”، على حد تعبيره، مؤكدا في الوقت عينه “ان لا صيغة بديلة للبنان من التعايش بين مجموعاته الا التقاتل“.
ويذكر ان الفيلسوف الاميركي الياباني الاصل ولد في شيكاغو. وهو حاز دكتوراه من جامعة هارفرد، مع المفكر المعروف صاموئيل هانتغتون. وعمل في وزارة الخارجية الاميركية سنوات، كما تعاون مع اسماء مثل دنيس روس وبول وولفوفيتز. وهو يشرف حاليا على برنامج الهبات الوطني للديموقراطية في العالم العربي. وهنا الاسئلة والأجوبة:
ماذا عن الرسالة التي تسعى الى ايصالها الى المجتمعات العربية؟
– لم اقصد شيئا عن الديموقراطية الاميركية، لكنني اعتبر ان اقتصاد السوق واعتماد نظام ديموقراطي ليبرالي يشكلان عنصرا اساسيا في بناء مجتمعات معاصرة. قد لا ترغب كل المجتمعات في اتباع هذه الطريق ولكن، اذا ارادت ذلك، يفترض اعتماد نظام محاسبة وتفعيل العمل الحكومي وتحديد حقوق الافراد وكذلك العناصر الاساسية لحكم القانون ومسائل اخرى. في رأيي، تلك هي المكونات الاساسية لما نسميه عصرنة“.
· كيف تقوم تجارب دول مثل بلدان الخليج التي تسعى الى فتح اسواقها وتطوير نظامها اقتصاديا، مقابل ابقاء الانغلاق سياسيا؟
– الدول هنا تتبع نظام سنغافورة وبلدان آسيوية اخرى. فهي ترى انها اذا تمكنت من بناء اقتصاد عصري، لا تحتاج الى نظام ديموقراطي، على المستوى السياسي، وانما الى حكم القانون وفتح الاقتصاد. لقد نجحوا في ذلك.”
· لكنك اشرت في مقابلات ومقالات سابقة الى الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها دول مثل ايران او المملكة العربية السعودية واصفا هذه البلدان بأنها “غير مستقرة”. وتوقعت ان تواجه احد سيناريوين: اتباع النموذج التركي او التفكك؟
– في رأيي ان الديموقراطية كناية عن نظام من المؤسسات السياسية تتولى ادارة النزاعات الاجتماعية وتحقيق اعمال مشتركة. ويمكن بناء نظام غير ديموقراطي يعمل على المدى الطويل وخصوصا هنا في منطقة الخليج، حيث تقوم دول صغيرة نسبيا وتملك موارد كثيرة وخصوصا النفط. اما اذا اخذنا دولة كالهند، حيث يعيش مليار نسمة وفيها حجم هائل من المكونات، الاتنية والدينية والتنوع، فأقول انه لا يمكن حكم بلد مماثل بنظام أحادي. لذلك، اعتقد ان الامر يتعلق بظروف ومعطيات عدة خاصة بكل مجتمع.
· من هنا كيف تقرأ مستقبل العالم العربي في العقود المقبلة؟
– أعتقد ان المجتمعات العربية تشهد تغييرات بحكم “تعرضها” للعالم الخارجي، وذلك نتيجة التكنولوجيا والانترنت والاعلام، هذا فضلا عن التبدلات التي تشهدها المجتمعات من داخلها. فهناك مجتمع مدني بدأ يفور. وهناك اشخاص كثر يرغبون في نوع من المشاركة. من هنا اقول ان الاسس لقيام انظمة سياسية عربية اكثر انفتاحا موجودة.
· ذكرت في مقابلة لك مع صحيفة “الغارديان” البريطانية في تموز الماضي ان الاتحاد الاوروبي يعكس الى حد ما، ما سيكون عليه العالم في المراحل المقبلة. هل يمكن ان تتبع الانظمة العربية هذا النموذج؟
– ما يحصل في دبي يشير الى ان ذلك ممكن، على رغم ان بقية الدول قد لا تتبع هذا النموذج.
نظريا، لا عائق او سبب ثقافياً من شأنه ان يمنع ذلك. وفي اعتقادي ان الامر يتعلق باعتماد السياسات المناسبة وقيام حكومات تستطيع العمل وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين واتباع السياسات الملائمة“.
· وماذا عن مستقبل ايران التي سبق لك ان اشرت الى احتمال تفككها؟
– في ما يتعلق بايران، اعتقد ان المجتمع الايراني شديد التعقيد. فدرجة التنوع في هذا المجتمع عالية وهناك فئات شابة تملك مقاربة وآلية تفكير خاصة بها. ومن غير الواضح بالنسبة الي، ما اذا كان النظام الحالي سيكون مرضيا لجيل الايرانيين المقبل. لكن الامر يتعلق بالايرانيين انفسهم“.
· ذكرت مرارا ان نشر الديموقراطية يواجه تحديين: الاسلام الراديكالي من جهة وبروز قوى احادية مثل الصين وروسيا من جهة اخرى. ما هي تأثيرات ذلك وكيف يمكن مواجهتها؟
– اعتقد ان الصين تمثل نموذجا للنظام الاحادي المعصرن. واعتقد انها قدتشكل مصدر وحي لبلدان عدة اذا واصلت نجاحها. اما في ما يتعلق بالاسلام الراديكالي، فان المسألة اكثر صعوبة.
فالاسلام الراديكالي، خلافا للحزب الشيوعي الصيني، نجح في الوصول الى السلطة في عدد من الدول. ولم يكن اداؤه جيدا. لا اعتقد مثلا ان احدا يرغب في اتباع نموذج افغانستان في ظل حكم “طالبان“.
لذا، اقر ان هناك معارضة وتحركات تعبر عن عدم رضى الشعب على النظام القائم ولكن لا ارى ان نظام “طالبان” كنظام حكم حزبي وطريقة عيش، من شأنه ان يشكل مصدر جذب لمجموعات اخرى.
في رأيي، ان التعامل مع هذه المعطيات يفترض ان يتم بطريقة اكثر تطورا نوعا ما، انطلاقا من ان المشكلة سياسية اكثر منها عسكرية. ففي ظل هذا النوع من الحركات، نواجه عددا من المتشددين وعددا اكبر من الافراد المتعاطفين عمليا معهم . ان استخدام القوة من شأنه ان يدفع اشخاصاً آخرين الى دعمهم ودعم الارهاب. هذا ما حصل مع الولايات المتحدة لدى اجتياحها العراق. من هنا يجب ان نكون متنبهين جدا. انها حملة تتناول العقل والقلب. وعلينا الوثوق بان الافراد قد يتراجعون عن دعم الانتحاريين (…).
· كيف ترى مستقبل التطرف في هذه الاجزاء من العالم اذن؟
– قد افاجأ اذا ما تواصلت هذه الحالة، كمشكلة في السنوات الـ25 المقبلة. اعتقد ان هذه الحالة تعبر عن عدم رضى عن شروط اجتماعية قائمة. لكن هذه الشروط قد تتبدل، فتتبدل معها منطلقات هذه الحركات“.
· شكل نموذج الديموقراطية اللبنانية محور اهتمام الاعلام الغربي منذ قيام “ثورة الارز”. كيف تنظر الى تطور هذه الديموقراطية في ظل الازمة القائمة؟
– انا قلق على لبنان في هذه الايام. ففي هذا البلد ما يسميه خبراء علوم السياسة “الديموقراطية التنازلية” حيث تقوم الصلاحيات السياسية وفقا لاعتبارات طائفية ومذهبية. والمشكلة في هذا النظام انه صارم جدا ويكفي القول انه لم يحصل احصاء سكاني في البلد مثلا منذ العام 1933 . الوضع الاجتماعي على الارض قد تبدل مذذاك، كما ان النظام يبدو غير مرن في شكل كاف لاعادة توزيع السلطة سلمياً وبما يسمح للافراد بسلوك طريق اخرى. آمل في الا تتبع البلاد “البلقنة”. واعتقد انه في النهاية يفترض ادخال نوع من المرونة على النظام القائم.
في اي حال، يمر لبنان في مرحلة دقيقة من تاريخه ولا اريد اسداء نصائح، لا اعتقد ان للبنان صيغة بديلة من التعايش بين مجموعاته إلاّ التقاتل. ولا احد يريد العودة الى الحرب الاهلية. لذا يفترض ان يتوصل اللبنانيون الى صيغة للعيش بسلم والتوصل الى انظمة وقوانين تسمح لهم بالعيش بهذه الطريقة.
نعم، ارتكبت الولايات المتحدة الاميركية اخطاء عدة في سياساتها في الشرق الاوسط. نعم لنا مصالح من الاجدر تسميتها مصالح “السياسة الواقعية” (REAL POLITICS) هذا الجزء من العالم. ولكن صحيح ايضا ان شعوب المنطقة وانظمتها تبالغ في تقويم قدرة القوة العظمى على التدخل، لتغيير واقع او التأثير فيه. وخير مثال على ذلك الفشل الاميركي في حماية نظام شاه ايران محمد رضا بهلوي اواخر السبعينات“.
بمعادلة، “الـREAL POLITICS نفسها، كان فرنسيس فوكوياما يجيب عن اسئلة الحضور، وخصوصا الخليجي منه، وقد امطره بملاحظات تركز معظمها على الدور الاميركي في المنطقة.
اما المناسبة فكانت لقاء نظمته “كلية دبي للادارة الحكومية” بالتعاون مع “معهد جون كينيدي للادارة” وجامعة هارفرد عن “تحديات الديموقراطية في القرن الـ21”. نخبة المجتمع في دبي، بتلاوينها، كانت هناك: “شخصيات محلية، حضور خليجي ولا سيما سعودي، اجانب يديرون مراكز ومؤسسات في الامارة. والتنوع ذاته، ترجم في الاسئلة التي اعقبت عرض فوكوياما الخطوط العريضة لرؤيته لديموقراطيات القرن الجديد. رؤية سبق له ان فصلها في كتابه المعروف “نهاية التاريخ والانسان الاخير“.
عن الاسلام السياسي، والتطرف قال ان “الاسلام ليس مصدر المشكلة”، ملقيا اللوم على التفسيرات التي تطاوله.
وفي رده على “الكره” الذي تواجهه السياسة الاميركية في المنطقة من الشعوب فيها وخصوصا نتيجة “كيلها بمكيالين” في النزاعات القائمة، انتقد السياسية التي تتبعها ادارة بوش في نشر الديموقراطية، بالتذرع باسلحة الدمار الشامل، مؤكدا مجددا نظريته الرافضة لنشر هذه الديموقراطية من طريق الاجتياح العسكري. وقال: “لنأخذ في المقابل الاحتمال الاخر في الاعتبار: هل كان العالم يكون افضل لو قررت الولايات المتحدة نفض ايديها مما يجري فيه؟ وماذا لو وافقنا على بقاء بينوشيه في الحكم مثلا؟”. واذ امل في اشراك القوى المتطرفة في العملية السياسية، شدد على دور المجتمع المدني في بناء الديموقراطيات بدل فرضها، مستعيدا تجربة “الثورة البرتقالية” في اوكرانيا.