الدول الخليجية على محك الأزمة المالية
فهيد البصيري
الأزمة المالية الحالية التي أصابت المتعاملين في الأسواق المالية العالمية، لم تنفع معها عمليات ضخ المليارات، لا في الولايات المتحدة، ولا في باقي دول العالم. وما زاد الأمر سوءا هو تحولها إلى أزمة ثقة بالنظام الاقتصادي برمته، وفي هذه الحالة لن تفيد السياسات المالية والاقتصادية في تركيدها، فرأس المال كما هو معروف جبان، وفي مثل هذه الأحوال يقدس الهروب، ويكره المواجهة، والهروب يعني البيع، والبيع يعني مزيدا من الانهيار في البورصات العالمية.
ما كنت أخشى تحققه في مقالاتي السابقة تحقق. وها هو مدير الصندوق الدولي يعترف بأن النمو الاقتصادي العالمي لعام 2009 سيكون صفرا مكعبا، بمعنى أننا أصبحنا في حالة ركود اقتصادي حقيقي لن ينجو من آثاره أحد، وأعتقد انه خشي من استخدام مصطلح كساد اقتصادي خوفا من تفاقم المشكلة.
والغريب في الأمر أن الدول الخليجية لم تحرك ساكنا حول هذا الموضوع ولم تعقد اجتماعا ولو على مستوى عادي للوصول إلى سياسة مالية مشتركة حيال تطورات الأزمة المالية الراهنة.
لقد كانت دول الخليج على موعد في سنة 2010 لإصدار العملة الخليجية الموحدة، ويبدو أن هذا المشروع أصبح حلما بعد انفجار الأزمة المالية العالمية، والسبب بسيط، فالكويت ليست مرتبطة بالدولار كبقية دول الخليج، إضافة إلى أن الأمر الآن وفي ظل الظروف الراهنة سيصبح أكثر تعقيدا وإيلاما.
وعلى الرغم من التصريحات التي نسمعها بين الحين والآخر حول متانة الوضع الاقتصادي في الدول الخليجية، إلا أن واقع البورصات الخليجية يكذب ذلك، فهي في انحدار مستمر لا يقطعه سوى العطل الرسمية.
والوضع المتأزم حاليا يجعل التوافق الاقتصادي بين الخليجيين أكثر صعوبة، فاقتصاديات الدول الخليجية تتسم بطبيعة واحدة، فكلها تعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وجميعها تقوم باستثمار فوائضها المادية بطريقتين لا ثالث لهما، إما في البنى التحتية والتي أغلبها يتسم بالطابع الإنشائي والعقاري، أوفي صناديق الاستثمار العالمية، وعلى شكل ودائع في البنوك الدولية.
وهذا ما يجعلني أؤكد أننا لسنا بمنأى عن التأثر بما يحدث من حولنا، وأن المسألة هي مسألة وقت فقط لا غير.. والسؤال الذي يجب أن يجيب عنه أصحاب الشركات المالية والمصارف هو: ما الأرقام الحقيقية للخسائر التي منيت بها هذا المؤسسات؟ لكي نستطيع في ضوء ذلك وضع الحل المناسب، لأن المعلومات المضللة تؤدي إلى حلول قاتلة.
أتمنى أن تكفي السيولة لسد النقص النقدي الذي بدأ في المؤسسات المالية الخليجية، وأتمنى إن وجدت هذه السيولة أن تستخدم الاستخدام الاقتصادي السليم. أما ما نسمعه هذه الأيام في الكويت عن ضخ هذه السيولة في البورصة، فهو حل لن يستفيد منه سوى المضاربين في السوق، وأصحاب الشركات الورقية، والتي ليس لها أي ثقل اقتصادي في الدولة، فهي ليست من ضمن القطاعات المنتجة أصلا، وبعض هذه الشركات وهمي وغير حقيقي وهدفه الحقيقي والوحيد هو المضاربة، والنهاية الحتمية لمثل هذا الضخ هو المزيد من التبذير المالي في سوق لن يجدوا لها قاعا، إلا إذا كانت الحكومة تنوي شراء سوق الأسهم بالكامل!
أما بالنسبة إلى سلعتنا اليتيمة (النفط)، فهي المتأثر الأكبر من هذه الأزمة، والدول الصناعية التي نعتمد عليها في شراء نفطنا ستبدأ ومن اليوم التقليل من استهلاكها للنفط، ما سيجعل أسعاره تهبط إلى مستويات غير متوقعة. وفي الطرف الآخر سوف تتقاتل الدول المنتجة على تسويق نفطها، لتبحث عن مشترين له بأي ثمن، فالحياة الاقتصادية -إن لم تكن الحياة بكل أشكالها- سوف تتوقف إذا لم تبع هذه الدول إنتاجها من النفط. لذلك سوف يكون الأمر صعبا على الدول المصدرة للنفط (أوبك) لكي تصل إلى اتفاقيات ملزمة حول تخفيض إنتاجها استجابة لانحسار الطلب على النفط، لأنها ستصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها!
ومع انحسار الطلب على النفط، سوف يصبح الاستثمار في إنتاجه في ضوء الأسعار المتدنية أمرا لا يقبله المنطق، فمثلا مشروع حقول الشمال في الكويت، سوف يصبح عبئا لو تم إنشاؤه، فالعملية لم تعد مجدية اقتصاديا، بل إن الحديث عن المصفاة الرابعة قد يصبح متأخرا بعدما استجد من أمور.
أما انخفاض الموارد المالية من عمليات بيع النفط، فسينعكس أثرها على توقف المشاريع الإنمائية، وعلى موازنات هذه الدول، وإنفاقها، ما سيؤثر سلبا في أداء القطاع الخاص، الذي يقتات على الإنفاق الحكومي، ومن هنا يبدأ القطاع الخاص بتقليص عملياته الإنتاجية، ما يعني الاستغناء عن بعض العمالة الفائضة والتي أغلبها وافدة. وهنا تبدأ هذه العمالة بالمغادرة، وستفقد دولهم تحويلاتهم المالية السابقة، ومن شأن هذه الهجرة أن تنعكس على القطاع التجاري والقطاع العقاري.. وهكذا يأخذ الاقتصاد دورته إلى أن يصل إلى كل جيب.. انه سيناريو مخيف ولا ينتهي.
والهاجس الأكبر في هذه الأزمة هو احتمال انهيار النظام النقدي العالمي القائم، مما يعني أننا سنقف دقيقتين حدادا على الدولار كعملة دولية، وهنا سأترككم لكي تتخيلوا باقي القصة.
كاتب كويتي
أوان