«نوبل للسلام» للفنلندي مارتي أهتيساري: وسيط ناجح عصت عليه كوسوفو
بيروت – سهى زين الدين
منحت لجنة نوبل جائزتها للسلام الى الرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتيساري (71 سنة)، في عودة منها الى تقدير العمل التقليدي في هذا المجال، بعد «خيارات تقدمية» كجائزة العام الماضي التي حصل عليها آل غور نائب الرئيس الأميركي السابق ولجنة الأمم المتحدة للتغير المناخي، مناصفة، لنشاطهما في مجال حماية البيئة.
وعلّلت لجنة جائزة نوبل، المؤلفة من خمسة أعضاء سريين، اختيارها اهتيساري إلى وساطات ناجحة قام بها لحل أزمات في أفريقيا و اوروبا وآسيا والشرق الأوسط. واعتبرت ان «جهود أهتيساري الكبيرة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ساهمت في جعل العالم أكثر سلماً».
لم يكن مفاجئاً منح الجائزة لأهتيساري الذي تولى الرئاسة في بلاده بين عامي 1994 و2000، اذ اعتُبِر مرشحاً جدياً لها طيلة سنوات، خصوصاً بعد نجاحه في إبرام اتفاق بين الحكومة الإندونيسية ومتمردي إقليم آتشيه عام 2005، ما انهى نزاعاً تسبب في سقوط 15 ألف قتيل على مدى نحو 30 عاماً.
وحدها أزمة كوسوفو عصت على الناشط الاسكندنافي، لكن هذه «الكبوة» لم تغير في كونه الاسم الأبرز على لائحة المرشحين الـ197 للجائزة، وان بدت الرهينة السابقة لدى حركة التمرد الكولومبية «فارك»، إنغريد بيتانكور، ابرز منافسيه في اللائحة.
وكما في كل الإنجازات، قوبل منح أهتيساري الجائزة بانتقادات، كان أهمها من بوريسلاف ميلوسيفيتش (شقيق الرئيس اليوغوسلافي الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش) الذي أشار الى «أهداف سياسية» لهذا الخيار، معتبراً ان الرئيس الفنلندي السابق لم يتمكن خلال توليه مهمات موفد الأمم المتحدة الخاص الى كوسوفو بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وآذار (مارس) 2007، من حل أزمة الإقليم، «بل أن النتيجة جاءت عكسية»، مع تفاقم الأزمة بإعلان الإقليم ذي الغالبية الألبانية الاستقلال من جانب واحد عن صربيا في شباط (فبراير) الماضي.
إخفاق واحد في سجل حافل بالإنجازات. ففي عام 1990، واكب أهتيساري سير ناميبيا نحو الاستقلال في شكل سلمي. وفي عام 1999 قاد وساطة أنهت ضربات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على يوغوسلافيا السابقة، كما أشرف عام 2000 على نزع سلاح الجيش الجمهوري الايرلندي في بلفاست… وصولاً الى العام الماضي حين نظم محادثات بين سنّة وشيعة عراقيين.
ولد مارتي اويفا كاليفي اهتيساري في 23 حزيران (يونيو) 1937 في فيبوري، التي باتت تعرف الآن بفيبورغ وأُلحِقت بروسيا. والده أويفا المتحدر من أصل نروجي، عمل ضابط صف في الجيش الفنلندي وشارك في الحرب ضد السوفيات في الاربعينات، بصفته ميكانيكياً عسكرياً في الجيش، فيما هربت الوالدة، تيين، برفقة مارتي الى مدينة كوبيو (شرق) حيث عاش طفولته، الى حين انتقلت العائلة الى مدينة اولو عام 1952.
أدى مارتي الخدمة العسكرية برتبة كابتن في قوات الاحتياط، وتابع دراسته بالمراسلة وحصل على شهادة من دار المعلمين في أولو. بعد عمله مدة في التعليم، سافر الى كراتشي عام 1960 ضمن بعثة تربوية، ثم انخرط في السلك الديبلوماسي عام 1965. عين سفيراً لدى تنزانيا (1973- 1976) ثم مفوضاً لدى الأمم المتحدة لشؤون ناميبيا (1977)، فممثلاً خاصاً للأمين العام للمنظمة الدولية في هذا البلد وواكبه حتى استقلاله عام 1990. عام 2000 أسس مؤسسة «مبادرة إدارة الأزمات» (سي. أم. آي.)، وهي مركز للتحليل والاستشارات والوساطة متخصص في حل النزاعات. نال هذا العام دكتوراه فخرية من جامعة «يونيفرستي كولدج» في لندن. والى لغته الفنلندية الأم، يتقن اهتيساري السويدية والفرنسية والإنكليزية والألمانية.
وسيتسلم اهتيساري جائزة نوبل للسلام، التي تشمل ميدالية وديبلوماً وشيكاً بقيمة 10 ملايين كورون سويدي (مليون يورو)، في اوسلو في 10 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، في ذكرى وفاة مؤسس جوائز نوبل الصناعي السويدي الفرد نوبل.
الحياة – 11/10/08