الأسد يضفي بصماته على القمة اللبنانية ـ السعوديّة… وبالبريد السريع
جورج علم
التضامن العربي على ظهر مرسوم العلاقات والتصدّي للإرهاب جامع مشترك
ردّت سوريا على التحيّة السعوديّة بما يمكن البناء عليه لتصبح مهمّة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان أمام منعطف دقيق لإعادة وصل ما انقطع، أقله حول لبنان الحافل بملفاته المعقّدة.
كانت قد مضت ساعات معدودة على انتهاء أعمال القمة اللبنانيّة ـ السعوديّة عندما أعلنت دمشق عن توقيع الرئيس بشّار الاسد على مرسوم إقامة العلاقات الدبلوماسيّة وفتح سفارة لسوريا في بيروت. وربما شاءت دمشق من خلال هذا التوقيت ان توجّه رسائل باتجاهات عدّة، أبرزها الى الرياض، وبالبريد السريع ردّا على ما صدر من مواقف، سواء عن الملك عبد الله بن عبد العزيز او عن الأمير سعود الفيصل تؤكد على ضرورة العمل لتحقيق التضامن العربي في مواجهة التحديات.
والإشارة هذه، كما فهمتها بيروت، مزدوجة. هناك رغبة في اعتماد سياسة الأيدي الممدودة، وأيضا هناك شبه مبايعة، ولو ضمنيّة، كأن يتولى الرئيس اللبناني التوافقي الذي اختارته الإرادة العربيّة، مهمّة تدوير الزوايا الحادة، والتعويل على المؤشرات الإيجابيّة للبناء عليها، بحيث تصبح لغة الحوار هي السائدة بدلاً من لغة القطيعة والمقاطعة التي راجت عملتها إثر قمة دمشق العربيّة.
هل تعمّد الرئيس السوري ضرب الحديد وهو حام؟.
هناك في صفوف الدبلوماسيين العرب من يجزم بذلك، وهناك أيضا من يقول بأن المرسوم تاريخي، ويشكّل نقلة نوعيّة في العلاقات الثنائيّة، أما مكمن أهميته فليس في مضمونه، بل في توقيته، وكأن الرئيس السوري تعمّد الإفراج عنه أمس ليبايع جهداً لبنانيّا أسفر عن اكتشاف الشبكة الإرهابيّة، ويكمّل جهداً سوريّاً كان قد بدأ بالانتشار العسكري الكثيف لضبط الحدود المشتركة، ومنع التسللّ، تنفيذاً للقرار ١٧٠١.
وتقول جهات دبلوماسيّة عربيّة: يجب الإقرار بأن هناك نقطة محوريّة حاليّا تستقطب اهتمام المسؤولين في كلّ من لبنان وسوريا، هي مكافحة الإرهاب، وبهذا المعنى يأتي الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسيّة للتأكيد على ان البلدين مدعوان الى التعاون معاً، وبصدق وشفافية مطلقة لمحاربة بؤر التوتر هذه، وحماية ألسلم الأهلي في كلا البلدين، وإذا كان لا بدّ من إضافة، لأمكن القول إن الرسالة السريعة التي شاءتها سوريا من خلال الإعلان عن توقيع المرسوم، إنما تضمنت دعوة صريحة ولو بصورة غير مباشرة الى السعوديّة للمبادرة والمساهمة بفاعليّة في ورشة مكافحة الإرهاب؟!.
غير أن سحر اللحظة التي خطفها نبأ الإعلان، لم يستقر في بيئته الجغرافيّة المحليّة او الأقليميّة بل فاض الى الخارج ليضفي رونقاً على السياسة العاقلة التي يعتمدها الرئيس السوري وكأنه أراد ان يقدم كشف حساب للمجتمع الدولي، خصوصاً الذي تتزعمه الإدارة الاميركيّة في الشرق الأوسط، حيث تمكّن من ان يوفر صدقيّة شفافة لا عيب فيها لمسألتين حسّاستين طالما تناولهما الاعلام الخارجي طويلاً خلال الأيام الماضية ولا يزال، هما مسألة الحشود العسكريّة السوريّة على الحدود، ومسألة الأصوليّة التي تعبّر عن حضورها وفاعلية دورها في الشمال، فجاء الإعلان عن توقيع مرسوم إقامة العلاقات ليضفي مصداقيّة كانت ضروريّة، بميزان الغرب، للتأكد من ان الحشود هي فعلاً لتأدية دور مطلوب منها بموجب القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بدءاً بالقرار،١٥٥٩لضبط الحدود. أما الإرهاب الذي علقت إحدى خلاياه في سنّارة الأجهزة الأمنية اللبنانية في الشمال، فهو حقيقة لا يمكن تجاهلها، وبالتالي لا يمكن اعتبار ما قدّمه الرئيس السوري من إضاءات على هذا الصعيد، خلال الاسابيع الماضية، لوناً من ألوان التكتيك السياسي في زمن التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة.
ومن هذه الإطلالة الدوليّة المستشرفة استطاع الرئيس الأسد ان يفرغ اتهامات الرئيس الاميركي جورج بوش ضد سوريا من أي مضمون خصوصاً لجهة تركيزه على سياستها تجاه لبنان، لا بل شاء أن يسدّد للمواقف الجديدة التي أطلقها أمس الأول بحضور ضيفه رئيس الوزراء الايطالي ضربة قاضية، من خلال التركيز على مرسوم العلاقات، وعلى الحماس الذي تبديه سوريا لحسم مسألة تبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان وفق ما كانت تريده وتطالب به قوى ١٤ آذار حليفة الغرب الأميركي ـ الأوروبي.
وتأتي الحسابات هنا متوافقة مع بيادر أخرى تشهد للسياسة الخارجيّة السوريّة بإنجازات محسوبة بدقة متناهيّة، إذ ليس بالقليل ان تقيم علاقات تحالفية مع إيران، ولا بالقليل ان تمدّ جسور الوئام والتعاون مع الجار التركي، ولا بالقليل ان تضع علاقتها مع العدو الإسرائيلي بمصاف المفاوضات غير المباشرة، وعندما تكون سوريا مرتاحة في محيطها الطبيعي مع جيرانها، فهذا يعني انها مرتاحة أيضاً في مدّ سياسة الجسور مع الخارج، ويكفي القول هنا بأن الرئيس الأسد كان صادقاً وصدوقاً مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويستطيع ان يبادره القول بعد صدور وانفلاش نبأ المرسوم، بأنه وعد وكان صادقاً بوعده، وعاهد وكان وفيّا لعهوده، وها هو يعلن أمام الملأ بأن العلاقات الدبلوماسيّة مع لبنان أصبحت حقيقة.
ولا يقتصر تأثير هذه الجاذبيّة على بعدها الغربي، بل يتمدد سريعاً الى العمق العربي، وهناك دعوة جادة من الرئيس الدوري للقمة العربية الى التمعن في كيفيّة إحياء التضامن الذي أصبح حاجة ملّحة لمواجهة التحديات، وفي طليعتها الارهاب الذي يضرب في لبنان كما يضرب في سوريا، كما يضرب في مصر، وفي المملكة العربيّة السعوديّة، وفي الجزائر، والمغرب، وسائر الدول الاخرى سواء أكانت عربيّة او قريبة من المتوسط، كما كان حال إسبانيا وغيرها من الدول الاوروبيّة.
وإذا كان لبنان هو نقطة الاعتراض و»الفيتو« الذي كانت تلوّح به بعض الدول العربيّة في وجه سوريا على خلفية ان لها مطامع فيه، وتسعى للعودة اليه سياسيّا وعسكريّا بذريعة الإرهاب، والسعي الى أقلمة أظافره في الشمال، إذ بالإعلان عن العلاقات الدبلوماسيّة يأتي في اللحظة المناسبة ليصوّب الأخطاء، ويصحح المزاعم بعدما أصبح في لبنان مؤسسات شرعيّة يمكن التفاهم معها، ورئيس للجمهورية يحظى باحترام العرب، وحكومة وحدة وطنيّة جاءت لتحل مكان البتراء السابقة، وديناميّة في المجلس النيابي تعوّض عمّا فاته طوال الفترة السابقة التي كان فيها موصد الأبواب.
ويكفي أن تصبح الكرة الآن في مرمى قوى ١٤ آذار التي تستطيع ان تدّعي نصراً لم تحققه نتيجة جهودها بقدر ما هو نتيجة حصاد الدوحة واتفاقها الشهير الذي أهدى اللبنانيين شرعية جديدة ومؤسسات متجددة، وتستطيع ان تقول إن العلاقات الدبلوماسيّة ما بين سوريا ولبنان قد أصبحت حقيقة قائمة، وإن السيادة والاستقلال قد أصبحا ناجزين، ولكن ماذا بعد… خصوصاً إذا كان الإرهاب على الأبواب؟!.
السفير