عودة سورية ‘شرعية’ للبنان
رأي القدس
الشغل الشاغل للبنانيين ووسائل اعلامهم هذه الايام هو الخطوة السورية المتمثلة في مرسوم جمهوري باقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفير والسفارات بين دمشق وبيروت، وانعكاس كل ذلك على مستقبل العلاقات بشكل عام بين البلدين الجارين.
ينقسم اللبنانيون الى معسكرين تجاه هذه المسألة، وهو انقسام يبرز حالة الاستقطاب السياسي التي يعيشها بلدهم في ظل الهدنة الراهنة بين القوى المتصارعة منذ توقيع اتفاق الدوحة.
‘ المعسكر الاول: يرى ان اقرار الحكومة السورية، وبعد عقود من الممانعة، بضرورة الاعتراف باستقلال لبنان وسيادته، جاء ثمرة للضغوط الدولية، والامريكية ـ الفرنسية منها على وجه الخصوص، وهذا يشكل في حد ذاته انتصارا لتحالف الرابع عشر من آذار بقيادة تيار المستقبل.
‘ المعسكر الثاني: يضم اطياف المعارضة، وعلى رأسها ‘حزب الله’ والتيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشيل عون، ويعتقد اعضاء هذا المعسكر ان الطرف الآخر سيندم اشد الندم على دفع سورية الى التعامل مع لبنان كأي دولة اخرى، وبما يلغي طابع الخصوصية الذي ميز العلاقات بين البلدين، واستفاد منه لبنان اكثر من استفادة سورية نفسها، او بطريقة متساوية، فالسفارة السورية في لبنان في حال قيامها، ستكون بمثابة ‘تشريع’ لعودة النفوذ السوري، وستصبح ‘عنجر ثانية’، في اشارة الى مقر قيادة المخابرات السورية السابق في منطقة البقاع قبل الانسحاب العسكري السوري من لبنان.
وتنطوي وجهتا النظر على الكثير من الصحة، فتبادل السفراء يعني ان سورية لم تعد تتعاطى مع لبنان كـ’زائدة دودية’ تابعة لها، وجزء لا يتجزأ من اراضيها التاريخية، وانما كدولة مستقلة لها حدودها الواضحة، وسيادتها الكاملة على اراضيها. ولكن يمكن القول في الوقت نفسه، ان الوضع لن يتغير كثيرا على الارض، فالسفارة السورية في العاصمة بيروت ستصبح محجا للسياسيين اللبنانيين، الذين سيجدون اسهل عليهم الذهاب اليها ولقاء المندوب السامي السوري فيها على الذهاب الى دمشق.
والاهم من ذلك ان هذه السفارة والعاملين فيها، حيث سيكون نصيب المخابرات والمخبرين فيها كبيرا جدا، مثل اي سفارة اخرى عربية او اجنبية، ستسهل مهمة وصول السياسيين والمخبرين اللبنانيين الى قاعاتها من خلال اقامة حفلات استقبال، وما اكثر المناسبات السورية التي تستحق اقامة مثل هذه الاحتفالات، فهناك عيد الاستقلال، وعيد ثورة التصحيح، وعيد الوحدة مع مصر، وعيد تأسيس حزب البعث، وعيد انتصار حرب اكتوبر، وعيد تنصيب الاسد الأب، والأسد الابن، وهكذا.
وطالما ان العلاقات اصبحت رسمية، ومحكومة باتفاقات تبادل دبلوماسي، فان الحكومة السورية ستفتح قنصليات لرعاية مصالحها، وتسهيل مصالح اللبنانيين في سورية، في مختلف المدن اللبنانية من طرابلس في اقصى الشمال الى صور في اقصى الجنوب، وما بينهما. وهذه القنصليات قد تتضخم لتصبح سفارات مصغرة يؤمها من يريد اللقاء بالمسؤولين فيها على مختلف مهامهم، العلنية منها والسرية.
ولعل النقطة الأهم التي ربما غابت عن ذهن الكثير من اللبنانيين، وفي معسكر ‘الرابع عشر من آذار’ على وجه التحديد، ان الغاء جانب التميز والخصوصية في العلاقات اللبنانية ـ السورية قد تترتب عليه اجراءات جديدة، مثل فرض نظام التأشيرات على كل من يريد العبور في الاتجاهين، في حال اراد احد الاطراف ممارسة ضغوط على الآخر لتحقيق مكسب ما، والجانب الاقوى على ممارسة هذا الحق هو السوري الذي يطوق لبنان من كل جهاته، بحيث لا يبقى امام اللبنانيين غير البحر.
النظام السوري قوي بلا شك مقارنة مع نظيره اللبناني، ويملك اوراقا عديدة يستطيع استخدامها بفاعلية، وما من شك ان قوته زادت في ظل الضعف الراهن لأعدائه في واشنطن والغرب وتل ابيب، بعد الهزائم العسكرية والسياسية في العراق وافغانستان، والانهيارات المالية المتلاحقة التي زعزعت اسس النظام الرأسمالي برمته، ولعل من مصلحة اللبنانيين البحث عن سبل افضل للتعايش، والابتعاد عن المناكفات غير المجدية، ولو بشكل مؤقت على الاقل، لتعزيز حالة الاستقرار الحالية واطالة امدها لأطول وقت ممكن، ريثما يهدأ الغبار وتتضح ملامح السياسات الغربية الجديدة، وخاصة الامريكية، في المنطقة، بعد زوال ادارة بوش غير المأسوف عليها.
القدس العربي