سفارتان
أمجد عرار
عادة ما تفضي أزمة جدية بين دولتين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية واستدعاء السفيرين وربما إغلاق السفارتين. لكن ما جرى بين سوريا ولبنان خالف العادة وكسر القاعدة، إذ أفضت الأزمة إلى اتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية وفتح سفارتين في بيروت ودمشق لأول مرة في تاريخهما المشترك. نأمل مضطرين أن تشكل هذه الخطوة رافداً يصب في نهر ترطيب العلاقات السياسية وتعافيها من العارض الصحي المفتعل بفعل فاعل مبني للمعلوم.
ردود الفعل أسهبت في التعليق على الخطوة بين من اعتبرها خطوة طبيعية وتطبيعية وخارقة للطبيعة وللطبع الذي غلب التطبع، ومن رأى أنها “مكسب” وتطور تاريخي، ومن وظّفها على الفور كإنجاز ل “ثورة الأرز”، وآخر لم يرق له اختفاء ذريعة وصمت اسطوانة كانت ملائمة للتحريض على إلحاق سوريا بالعراق احتلالياً، فخرج يعرب عن الأمل ألا تكون هذه الخطوة يتيمة وأن تتبعها خطوات أخرى كترسيم الحدود “بدءاً!!!” بمزارع شبعا المحتلة. لماذا “بدءاً” من هنا؟ لكي يتسنى للبنان تحريرها من الاحتلال “الإسرائيلي”. إذاً نحن بصدد تطور جديد، فبعد أن تحرر معظم أراضي لبنان بسواعد هؤلاء، ستتحمل سوريا من الآن فصاعداً مسؤولية بقاء المزارع تحت الاحتلال طالما ترفض ترسيم الحدود “بدءاً” من مزارع شبعا.
يمكننا أن نفترض أنه لو وافقت سوريا على هذا الطلب وتمكنت لجنة مشتركة لبنانية سورية من أخذ موافقة الاحتلال “الضرورية” على الدخول إلى المزارع من أجل الترسيم، فإن اسطوانات أخرى ستدور وملفات أخرى ستفتح إلى أن يتبخر مشروع الشرق الأوسط الجديد تماماً كما تبخرت قيادات عدوان تموز، وآخرهم ايهود اولمرت، على مقاومة لبنان وأطفاله وبنيته التحتية.
نحن الذين ولدنا مع حلم الوحدة العربية، كنا وما زلنا نتمنى أن نرى انخفاضاً في عدد السفارات العربية وصولاً إلى واحدة في كل دولة أجنبية، “ولكن لأن للأمور طبيعة أقوى من الرغبات والإرب”، نجد أنفسنا مضطرين خلافاً لحلمنا، أن نرحب بإنشاء سفارتين جديدتين وترسيخ جديد لحدود طالما قلنا عنها إنها مصطنعة. سيصبح السوري واللبناني اللذان كانا يتبادلان الزيارات كمن ينتقل من المطبخ إلى غرفة النوم، مضطرين لاستصدار تأشيرات ووضع طوابع ودفع رسوم والانتظار في الطوابير.
وما دام افتتاح سفارات وإقامة علاقات دبلوماسية حلاً ملائماً للأزمات العربية، وما دام الشيء بالشيء يذكر، يخشى أن يسوقوا لنا في القريب العاجل حلاً لأزمة الشقيقين اللذين كانا حتى الأمس القريب فلسطينيين وأصبحا غزاوياً وضفاوياً، عبر فتح سفارتين في كل من غزة والضفة وأن تقام بينهما علاقة دبلوماسية، ولا بأس إذا ما توجه الطرفان لاستصدار التأشيرات من “إسرائيل” إلى حين إقامة الدولتين المستقلتين في الضفة وغزة وتعيين ممثلين لهما في الأمم المتحدة، ودرءاً لأي خلاف عربي أو إسلامي يمكن توزيع التمثيل بالعدل، فتنضم جمهورية غزة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وجمهورية الضفة إلى جامعة الدول العربية.
وما دام انفتق عقد السفارات يخشى بعد حين من فتح سفارة للجمهورية الصحراوية “غير” المغربية بقيادة البوليساريو، وأخرى لجمهورية دارفور “غير” السودانية وثالثة لجمهورية كردستان “غير” العراقية ورابعة لجمهورية الجنوب “غير” العراقي، ولا بأس في استعادة سفارتي اليمنين غير السعيدين.
هكذا تزداد، على رأي غوار، أصواتنا في الأمم المتحدة، وهكذا أيضاً نشعر بزخم كبير عند رؤيتنا حشداً من زعمائنا في مؤتمر القمة، فلنستمر في التأرجح بين انحدار القمة وقمة الانحدار.