ما يحدث في لبنان

ديبلوماسية سورية في حجم “التطبيع”

غسان تويني
هنا، في العاصمة العريقة الديبلوماسية، العريقة العناية بالشؤون اللبنانية واللبنانية – السورية على الأخصّ نظراً الى دور فرنسا في تأسيس الدولتين نتيجة تقسيم الامبراطورية العثمانية وكل ما تلاها بما في ذلك انتداب “عصبة الأمم” (أي “منظمة الأمم المتحدة” موديل 1920-1946) فرنسا لرعاية استقلال لبنان وتهيئة دولته المستحدثة لممارسة الحكم المستقل في فترة انتقالية غير محددة المدة…
يتساءلون هنا، في مختلف الأوساط، بما فيها ما تبقى من “المهجّرين” اللبنانيين، الدائمين منهم والموقّتين المستعجلي العودة الى أرض الحنين…
يتساءلون عمّا تكونه طبيعة الديبلوماسية السورية في لبنان، بعد “تطبيع” العلاقات الديبلوماسية بين البلدين للمرة الأولى… علماً بأنه كانت لدمشق مشاركة ديبلوماسية في تمثيل “الجمهورية العربية المتحدة”… وقد تركت تلك المشاركة، التي كان بطلها المعروف وغير المنظور عبد الحميد السرّاج، النجم المخابراتي الذائع الصيت والكثير المخلّفات الموجعة (وأبرزها بعض الاغتيالات التي استمرت حتى بعد انفصام عرى الوحدة المصرية – السورية وانصراف مصر عن مثل تلك الممارسات).
عملياً، تتركّز التساؤلات في الدرجة الأولى على حجم التمثيل والمظهر والرموز التي ستقصدها دمشق من ذلك:
هل تحاول ان توحي ان سفارتها هي الخليفة الواقعية للسفارة العربية المتحدة ايام عبد الحميد غالب الذي اضطرت آخر حكومات الرئيس شمعون الى ابلاغه انه صار – وفق التعبير الديبلوماسي المتداول – “شخصاً غير مرغوب فيه”، فانسحب من غير ان يعني ذلك قطع العلاقات الديبلوماسية، ولا التوقف حتى عن المحظور منها؟
هل تذهب دمشق في تعزيز تمثيلها الى حد الإيحاء بأن سفارتها هي نظير ما كانته “المفوضية السامية” أيام الانتداب الفرنسي؟ ام تكتفي بمنافسة سفارات الدول الكبرى الحالية؟ أم تكتفي دون ذلك بمنافسة السفارات العربية البارزة، كالسعودية ومصر؟
وفي آخر الاحتمالات، هل تكتفي بأن تكون سفارة نشيطة في الحقول التقليدية، علماً بأن ثمة حقولاً مشتركة تلجها سوريا في لبنان، كما يلجها لبنان في سوريا، من غير حاجة الى انشاء ما تنشئه سفارات غربية وشرقية اجنبية كمجالس ثقافية وادارات اقتصادية وهيئات أهلية مشتركة ولجان برلمانية تعمل في ظلّ المجلسين كما بين معظم برلمانات العالم الديمقراطي مع ضرورة التنبّه إلى عدم تحوّل هذه اللجان “لوبيات” للتأثير على المجلس؟ الخ…
كل ذلك وسواه سيكون ولا ريب موضع دراسة دقيقة لدى دمشق التي ربما تشاورت مع الجامعة العربية لتتفادى إثارة حساسيات هي في غنى عن إثارتها.
ويبقى المظهر الأهم، وهو درجة استقطاب وتهافت اللبنانيين، من سياسيين وأعيان وصحافيين ورجال أعمال ونقابيين الى آخر المجموعات والهيئات، فضلاً عن رجال الدين وهيئات دينية وطائفية وكثيرها مشترك بين الدولتين والشعبين كالمجالس الملية مثلاً والثقافية وسواها.
هنا، لا بد من قولٍ صريحٍ هو ان في وسع سوريا ان تصبح عنصراً محازباً بل محزّباً، إذا أسلس لها اللبنانيون القياد وفتحوا لها الأبواب وطالبوها بأن تتحزّب لفريق منهم ضدّ فريق، بدل ان تساوي بين الجميع وتتعمّد التعامل مع الدولة اللبنانية ومحاورة مجتمعها السياسي “بالجملة” بدل أن تميّز بين الأفرقاء أو تتقبّل التمييز والتعامل “بالمفرق” مع فريق قبالة فريق!…
واقعياً كثيرون الذين كانوا وربما لا يزالون يحجّون الى دمشق ثم يستقربون الى عنجر قد يعتبرون وجود سفارة سورية في بيروت فرصة لاستقواء لبنانيين بسوريا على لبنانيين آخرين… ان مثل هذا التصرّف ستكون نتيجته الأولى والأهم فقدان احترام اصحابه لدى دمشق وسفارتها و… التاريخ، فضلاً عن جلب الضرر على لبنان وربما على سوريا كذلك.
فحذار الاستزلام وحذار الاستقواء بالمستزلمين. انه كمن يبحث عن القوة عند الضعفاء، فيزيد بهم ضعفه ضعفاً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى