شكراً أبو جمرا
حسام عيتاني
بعد انقطاع دام حوالى العشرين عاما، استأنف اللواء عصام ابو جمرا مساهماته الإعلامية. كانت الحياة السياسية اللبنانية، قبل العودة الظافرة لجنرال »نقطة على السطر«، تفتقر إلى هذه اللمسة من الهزل او الكوميديا السوداء.
قبل أشهر أعلن كاتب مصري أن أكثر ما يفتقده في الخطابات الرئاسية هو ذلك الجانب الفكاهي الذي كان يوفره الرئيس انور السادات لمواطنيه، فغداة كل خطاب متلفز يلقيه السادات، كانت شوارع القاهرة تبدو أكثر انشراحاً بعد ليلة من التعليقات الضاحكة والنكات المستوحاة من طريقة الرئيس المؤمن في الإلقاء ومن مضمون مواقفه على السواء. كان السادات يقدم التسلية لمواطنيه، على الأقل.
وعلى الرغم من الفوارق، يبدو ان ابو جمرا يسير على الطريق ذاته. فاللواء يبدو ضليعاً في أحكام الدستور وخبيرا محلفا في مواده مطالبا بتنفيذ ما لم يرد له ذكر في الكتاب وحرمان من أفاض النص في شرح مهماته، من صلاحياته. فعند ابو جمرا ان نائب رئيس الوزراء الذي لم يرد الدستور على ذكر له، يكاد يكون أهم من مجلس الوزراء مجتمعاً في حين ان على رئيس الوزراء أن يكتفي بإدارة الجلسات وان ينسى دوره المحدد في المواد ١٩ (تشكيل المجلس الدستوري) و٥٣ (تشكيل الحكومة) و٦٤ (دور رئيس مجلس الوزراء) و٧٠ و٧١ و٧٢ ( اتهام ومحاكمة رئيس الوزراء) و٩٥ (العمل على الغاء الطائفية السياسية).
من نافل القول إن حملة ابو جمرا ومن يقف وراءه، على رئاسة الوزراء ترمي الى حشد الشارع المسيحي قبل أشهر من الانتخابات وإخضاعه لجرعة تذكيرية من التحريض الطائفي بذريعة حماية واستعادة حقوق المسيحيين التي يبدو أن طائفة واحدة ميزتها اللؤم، قد سطت عليها.
ان مسألة صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء أو الاسم الرمزي لحصة الطائفة الارثوذكسية في السلطة، قابلة للبحث بغير الأسلوب الانفعالي المعتمد من قبل الجنرال وجنراله. فالإقرار بأن النظام اللبناني، على الرغم من كل مثالبه، نظام غير مقفل امام التعديل في قضية هي غاية الاهمية بالنسبة للبنانيين، اما التشبث بصيغة لا تحول ولا تزول من صيغ تقاسم السلطة والمناصب فيعادل الدعوة إلى إعادة فتح باب الحرب الأهلية، تماماً كما كان الوضع عشية نيسان ،١٩٧٥ وان من الجانب المقابل.
ولعله ليس بالسؤال التفصيلي في هذا المقام ذلك المتعلق بالموقف الذي كان سيأخذه اللواء فيما لو كان التوزيع الطائفي غير ما هو عليه الآن، أي لو كانت رئاسة مجلس الوزراء في يد من هم في رئاسة مجلس النواب او العكس، على سبيل المثال.
ومع التشديد على ان المناصب ليست ملكاً للطوائف، وعلى ان النظام السياسي اللبناني قد استنفد نفسه وبات في حاجة الى عملية اصلاح جذرية لا توفرها تصورات ابو جمرا لدوره السليب في ادارة الدولة، وهذا اقل ما يقال، الا ان ذلك الإصرار على افتعال معارك طائفية بائسة يعيد الى الاذهان الاسلوب الهذياني في فهم معنى السياسة في الدرجة الاولى، ومهمتها بما يزيد عن تنفيذ رؤى القائد الفذ.
وكان يمكن لمهندسي السياسات »الوطنية الحرة« اختيار موضوع أكثر جدية من مسألة صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء لإثارة الضجيج حولها، كما كان في الوسع البحث عمن يقدم هذه القضية بكفاءة اكبر، غير أن الجنرال ابو جمرا أراد إضفاء لمسته المرحة على أيام اللبنانيين ولياليهم فاستحق الشكر.
السفير