نصائح عربية وأوروبية بالتعاطي الإيجابي في العلاقات مع سوريا
جورج علم
تشهد البلاد حركة اجتماعات واتصالات لا يستهان بها، كونها تتمّ بمنأى عن الدعاية والنشر، ولأن الأهداف المرجوّة منها لا تزال متواضعة، وتدور حول كيفيّة التمهيد لجولة هادئة ومنتجة للحوار الوطني، والسعي الى مدّ المصالحات الباهتة بالمنشّطات كي تتقدم خطوات الى الامام، بعدما فقدت البريق والوهج، وأوشكت ان تخبو مجددا في نقطة الصفر.
قد لا يعتمد راهنا على ما يمكن ان تنتجه هذه الورشة من إيجابيّات، ولكن بالمقابل لا يُستهان بعديد المتطوعين في صفوفها من دبلوماسيين ومستشارين وسياسيّين مقرّبين من ذوي النفوذ والسلطان، فيما أمر المهمّة: الحرص على إجراء الانتخابات النيابيّة في مواعيدها، وبأقل الأضرار الممكنة.
ويضيق الوهم في محيط هذه الورشة، عندما تكون المصارحة هي الأساس، والأساس هنا أن الهدف من هذه »الدوشة« هو الوصول إلى الانتخابات النيابيّة وإجراؤها في مواعيدها الدستوريّة بأقل الخسائر الممكنة. إن هذا إذا ما حصل فعلاً، سيكون أكبر إنجاز يحققه الرئيس التوافقي ربما على مرّ سنوات عهده، لأنه يكون قد أعاد تجديد الحياة السياسيّة، ليطلق فيما بعد حواراً بين الممثلين الحقيقيين للشعب اللبناني حول أي لبنان.
وعطفاً على ما تقدّم فإن المصالحات، إذا ما تحققت، لن تكون أكثر من »فك اشتباك« كما يقول الرئيس عمر كرامي، لأنها انطلقت اساساً من دون أفق، وحتى من دون هدف، فلا مشروع، ولا خطّة عمل، ولا برامج محددة ببنودها ومواضيعها، بل مجرّد لقاءات تحت أضواء الفلاشات، وتبويس لحى، وخناجر جاهزة للطعن ومشبوكة جيداً إما في الخصر، او وراء الظهر بانتظار اللحظة السانحة.
وهكذا هو شأن طاولة الحوار، فليس من أحد يأمل بأن تبتدع حلولاً سحريّة في المستقبل القريب. وأمام كلّ خطوة إلى الأمام، اثنتان الى الوراء، انطلاقاً من عودة الحديث عن صلاحيات نائب رئيس الحكومة، الى المطالبة بتوسيع طاولة الحوار، أو تضييقها كما هو الموقف الجديد للوزير السابق سليمان فرنجيّة، من دون إغفال التباينات في المواقف حول المواضيع التي يجب أن تعالجها هذه الطاولة، ووفق أي سلّم من الأولويات، خصوصاً بعدما فرض الإرهاب حضوره على الساحة، وعن يمينه موضوع السلاح الميليشوي، وعن يساره السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، وصولاً إلى السلاح المقاوم، والحلول المقترحة له وفق المقاربات العديدة المطلوبة للاستراتيجيّة الوطنيّة الدفاعيّة…
ورغم العناية الجديّة التي تحظى بها هذه الاهتمامات من قبل ممثّلي العديد من الدول العربية والغربيّة المهتمة، تلقت بيروت خلال الايام القليلة الماضية مجموعة من النصائح العربية والفرنسيّة والاوروبيّة وصلتها إما عبر اتصالات مباشرة مع مسؤولين في الدولة والحكومة، او عن طريق التقارير الإعلاميّة والدبلوماسيّة تؤكد على ضرورة الهدوء والاعتدال والتروي في التعاطي مع موضوع العلاقات الدبلوماسيّة بين بيروت ودمشق، وعدم التشكيك بالخطوة، أو السعي الى وضع العصي بالدواليب من خلال سلسلة المطالب والشروط، بعدما تبيّن بأن قائمتها طويلة تبدأ بملف المفقودين والمعتقلين، مروراً بترسيم الحدود، ومزارع شبعا، والاتفاقيات المبرمة بين البلدين، الى الارهاب، وصولا الى جبل الجليد الكبير السابح في محيط التشكيك والشكوك المتبادلة، والذي لم تظهر منه سوى أكمته التي تحمل عنوان المحكمة ذات الطابع الدولي.
واللافت ان عدداً من السفراء قد نظمّ في الآونة الاخيرة سلسلة من اللقاءات مع أهل رأي وفكر في المجتمع المدني، محورها مفهوم الربيع السياسي الذي ينصح به ويدعو اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وما هو جوهره، وعلى ماذا يستند، وهل هو متيقن من ان الانتخابات حتماً، وفي مواعيدها الدستوريّة، »أم جاءت عبلة في المحن، لتسرق ما عند لقيس من لبن؟!«.
وما يسترعي الاهتمام أن الرد غير المباشر على دعوة الرئيس برّي يأتي من الأقربين قبل »الأبعدين«، خصوصاً عندما تتقاطع أصوات من هنا وهناك وهنالك تؤكد بان الانتخابات ستكون بين مشروعين وطرحين ونظرتين للبنان، المشروع السيادي وزبائنه معروفون وزبانيته أيضا، ومشروع التابعيّة والاستتباع، بحيث يكون لبنان جرماً صغيراً يدور في الفلك الايراني ـ السوري، علماً بأن الحلفاء المحلييّن يقولون بالعلن وبالفم الملآن أن لبنان لا يمكن أن يكون لفريق دون الآخر، وأن لبنان لا يحكم بالديموقراطيّة العدديّة بل بالديموقراطيّة التوافقيّة، وإن المعارضة إذا ما أصبحت الغالبية في المجلس النيابي المقبل فإنها لن تحكم وحدها بل ستصرّ على حكومة الوحدة الوطنيّة بحيث يكون للمعارضة الثلث الضامن او المعطّل فيها.
وفي اعتقاد البعض أن الحديث عن الحوار والمصالحات والاجتماعات والكولسات »ملّيق«، والكل يتجاذب أطرافه، والكل يخوض في تفاصيله، والكل يحلو له الاجتهاد والتحليل والاسترسال، مع تحفّظ بسيط بأن هذا البعض غير مقتنع في قرارة نفسه بان الانتخابات محسومة وستجري في مواعيدها، وإذا كان ما نشهده على سطح المصالحات، هو البدايات، فماذا عن النهايات؟!
… ويأتي الجواب على لسان سفراء مهتمّين: إن من يروّج على أن الانتخابات يجب أن تكون خياراً بين مشروعين، إنما يريد قيام لبنانين، فيما المطلوب لبنان واحد.