ما يحدث في لبنان

معركة الصلاحيات

سليمان تقي الدين
فتح نائب رئيس الحكومة معركة على الصلاحيات يصعب إقفالها. في ظاهر الحال تبدو المطالبة بتحديد صلاحيات أو مهمات نائب رئيس الحكومة مسألة طبيعية ومنطقية ودستورية. ليس هناك من موقع سياسي في السلطة من غير وظيفة فعلية يؤديها. لكن تسمية نائب رئيس الحكومة كانت تتم بعد »الطائف« لاستكمال لعبة التوازنات وكانت السلطة الفعلية التي أعطيت لنائب الرئيس الأرثوذكسي في القبض على وزارة الداخلية والشؤون البلدية والقروية التي هي سلطة أمنية وخدماتية مهمة. فالرباعي الذي حكم لبنان بعد الطائف كان من بينه الأرثوذكسي من غير أن يتم استحداث موقع دستوري داخل النظام.
وهكذا كان شأن الفريق الخامس الدرزي الذي اقتطع جزءاً من السلطة (صندوق المهجرين) من دون لقب جديد فيما تمّ إرضاء الفريق السادس الكاثوليكي برئاسة المجلس الاقتصادي الاجتماعي. لقد اكتمل عقد الطوائف الست الأساسية كما جرى العرف والعادة منذ عهد المتصرفية.
في واقع الأمر تمّ الاعتراف بالمناصفة الإسلامية المسيحية في توزيع ما عُرف »سلة« السلطات ومراكز القرار. فرغم اختصار صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني فإن الموارنة احتفظوا بمراكز عدة حساسة أخرى مثل سلطة القضاء ومرجعيته الأولى وقيادة الجيش وحاكمية المصرف المركزي، في مقابل مجموعة من السلطات لرئيس الحكومة السني كالإشراف والوصاية على مجلس الإنماء والإعمار وديوان المحاسبة وهيئة الإغاثة والمحاكم الشرعية ووزارة المالية والنيابة العامة التمييزية، بينما نال الشيعة وزارة الخارجية والنيابة العامة المالية والأمن العام وأمن الدولة ورئاسة المجلس الوطني للإعلام ومجلس الجنوب فضلاً عن رئاسة السلطة التشريعية.
بعد توزيع هذه »الإقطاعات الطائفية« صار من الصعب تحريك أي حجر في هذا البنيان لأنه يؤثر على مجمل اللوحة العامة. عملياً لا كيان دستورياً لنائب رئيس الحكومة ولنائب رئيس مجلس النواب، ولو جرى استحداث مثل هذا الكيان لطاول الأمر مطلب نيابة رئاسة الجمهورية القديم الذي تجدّد في الأزمة الأخيرة ولو بحياء وكذلك نيابة رئاسة مجلس النواب ولصار البحث أيضاً في استحداث كيانات دستورية تلائم موقع الطائفتين الأصغر الدروز والكاثوليك.
عند تشكيل الحكومة الحالية جرت تسوية سياسية لترتيب أوزان الكتل النيابية بعد أن أخذ رئيس الجمهورية حصة أساسية من حيث نوعية الوزارة (الداخلية والدفاع). لقد صار التمثيل الأرثوذكسي الفعلي في حصة الرئيس وجرى الفصل بين الوزارة الأساسية ونيابة رئاسة الحكومة. أما أن هذا الموقع رمزي وبلا صلاحيات فذلك ينطبق أيضاً على وزراء الدولة في الحكومة.
لقد تكرّس هذا العُرف بعد »الطائف« بإنشاء وزارات دولة لا مهمات لها بهدف استكمال تمثيل الكتل النيابية والفئات الطائفية وتأمين المشاركة. كما جرى تكريس أعراف أكثر خطورة عبر احتكار الطوائف الكبرى للمراكز الأساسية في الوزارة عدا توزيع الرئاسات عليهم. هذه »الصيغة« للحكم في لبنان مليئة بالتناقضات وليس من السهل إصلاحها أو تبديل توازناتها الدقيقة. لقد ثبت للمرة الألف أن »الطائفية العادلة« مستحيلة أصلاً، فهي نظام من الامتيازات والحرمانات يشمل السلطة السياسية ويتعداها إلى كل نظام الخدمات. فالصلاحيات في النظام الطائفي ليست شرفية أو رمزية بل هي مصدر غنائم حقيقية ولكل سلطة متممات من الاقتطاعات المالية يجري توزيعها وفق قنوات طائفية على الدائرة الأكثر انسجاماً مع صاحب السلطة. من البديهي في هذا النظام الزبائني أن تتسع الشكوى لتصل إلى كيف يدير مجلس الإنماء والإعمار سياسته وكذلك هيئة الإغاثة العليا ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين والصندوق البلدي المستقل.
معركة الصلاحيات طبيعية في هذا النظام الطائفي، حيث يرتفع شعار »طالما أن النظام طائفي فنريد حصتنا منه«. هذا النزاع على الحصص الطائفية سيظل مفتوحاً باستمرار لكنه بلا أفق ولا نتائج. لكل مطلب طائفي ما يقابله ولكل مطلب آثار على مواقع الآخرين. حتى الذين يمتلكون الصلاحيات يسعون غالباً إلى توسيعها طالما أننا لم نقرر بعد بصيغة المساواة بين اللبنانيين.
بئس الحديث عن الديموقراطية وعن الحقوق والضمانات والصلاحيات من داخل نظام »الإقطاع الطائفي« الذي يشارك جميع أطراف السلطة في الحفاظ عليه والدفاع عنه، ومع ذلك يرفعون الشكوى من نتائج حتمية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى