تركيا والعراق: المال أهم من الأكراد
مارتا أوتافياني
علاقات رائعة ومزيد من الوعود في انتظار الأزمة المقبلة. فقد توجّه الرئيس العراقي جلال طالباني إلى أنقره في نهاية الأسبوع المنصرم للتحدث مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الجمهورية التركية عبدالله غول عن الوضع المتفجّر على الحدود بين شمال العراق وتركيا،
إنما أيضاً عن المشاريع التجارية. ولم يجتمع بالمؤسسة العسكرية، وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى أن رئيس الأركان التركي، الجنرال ياشار بويوكانيت، ردّد باستمرار أنه ليس مستعداً للقاء طالباني، ليس فقط بسبب العلاقة مع العراق إنما أيضاً لأن طالباني هو كردي المولد. فموضوع “حزب العمال الكردستاني” الموجود في شمال العراق الذي يسيطر عليه الأكراد، هو مصدر أساسي للتوتر في العلاقات التركية – العراقية في الأعوام الماضية. لقد أغضب رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البارزاني أنقره بتحدي الدعوات التركية لتصنيف الحزب في خانة المنظمات الإرهابية، وإثبات عدم دعمه لحزب العمال الكردستاني باتخاذ خطوات ملموسة في هذا الإطار. وتبدو زيارة طالباني لانقره انطلاقة جيدة نحو إيجاد حل لمشكلة وجود “حزب العمال الكردستاني” في العراق، وذلك من خلال الحوار مع المسؤولين الأتراك الذي لطالما نادت به الولايات المتحدة الأميركية. غير أن الديبلوماسية الكاملة التي يشارك فيها المسؤولون في بغداد والأكراد العراقيون الذين يديرون شمال العراق، لا تزال احتمالاً بعيداً في المستقبل المنظور.
بحسب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي التقى طالباني السبت الماضي، تركيا والعراق جاهزتان لفتح “صفحة جديدة” في العلاقات بينهما. ومن جهته أكّد طالباني من جديد بأنه يريد “شركة استراتيجية” مع تركيا في مختلف المجالات من اقتصاد وتجارة وثقافة وسياسة. وأضاف أنه جاهز لإجراء مزيد من الحوار مع تركيا، واقترح أن ينشئ البلدان هيئة تكون مهمتها تعزيز الروابط بين الجارَين.
من المثير للاهتمام أن نرى كيف أن تركيا تبدي من جديد انفتاحاً على الحل الديبلوماسي بعد العملية العسكرية التي شنّتها منذ أسبوعين. ومن شأن تطوّر حصل في الآونة الأخيرة أن يساعدنا على فهم ما يجري. ففي الثاني من آذار الجاري، قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة تاريخية لبغداد، وفي اليوم التالي اجتمع بمسعود البارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. فحتى إيران لديها مشكلة مع “حزب العمال الكردستاني”. ومحاولة أحمدي نجاد بناء شبكة علاقات قوية وإشراك تركيا والعراق في البحث عن حل للمسألة الكردية هي بمثابة إنذار للولايات المتحدة التي لا يمكنها في الوقت الراهن سوى أن تنظر من بعيد.
لكن على الأرجح إن الأهم بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان وحكومته لم يكن المسألة الكردية بل الشأن المالي. فقد رافق طالباني في زيارته وزراء المال والنفط والموارد المائية والأمن القومي والصناعة. ودعا الرئيس العراقي رجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار في العراق قائلاً إن بلاده تتيح فرصاً جيدة حتى في الشمال الذي يقوده البارزاني. ومن شأن الأخير أن يشعر بتقويض لسلطته. فطالباني لم يتحدث باسمه وحسب، بل قام بما هو أهم من ذلك. فقد أعلن وزير النفط العراقي بعد اجتماعه مع وزير الطاقة التركي حلمي غولر أن حكومته لن تعترف بأي اتفاق نفطي وقّعته حكومة إقليم كردستان بصورة أحادية مع شركات أجنبية. يمثّل هذا فرصة جيدة لتركيا، لكنه يشكّل عنصراً جديداً للتوتر بين بغداد وأربيل. فانطلاقاً من المأزق الذي يتخبّط فيه قانون النفط والغاز الوطني بسبب الخلاف بين الأكراد والقادة العرب حول من يملك القرار في إدارة حقول النفط والغاز، وقّع الأكراد الشهر الفائت 15 عقداً لتقاسم الإنتاج مع 20 شركة نفط أجنبية ليست هناك بينها أي شركة تركية. تعتبر وزارة النفط العراقية هذه العقود غير قانونية، وقد هدّدت بوضع الشركات النفطية الدولية الموقّعة على هذه العقود، على اللائحة السوداء وحرمانها من أي فرص مستقبلية في المناطق العراقية الأخرى.
من المقرر أن يصل وفد مؤلف من مسؤولين رفيعي المستوى من هيئة تسويق النفط (سومو) التابعة للحكومة العراقية، إلى تركيا في أواخر الشهر الجاري للقاء مسؤولين أتراك لمناقشة تشغيل الحقول النفطية في العراق وتركيا، وكذلك بناء أنابيب ومصانع تكرير جديدة. وينوي المسؤولون العراقيون والأتراك أن يبدأوا في 24 آذار الجاري العمل على وضع “خطة عمل مشتركة” لا سيما في إقليم كركوك. ثمة نزعة غريبة إذاً ليس داخل المنطقة وحسب، إنما أيضاً داخل تركيا والعراق. ويبدو أن المسألة الكردية هي السبب وراءها. فنحن نلاحظ خلافات بين حكومة بغداد المركزية وحكومة البارزاني. كما أن هناك مشكلات داخل تركيا. تحدّث أردوغان عن صفحة جديدة، لكن ياشار بويوكانيت قال قبل عشرة أيام إنهم جاهزون لدخول شمال العراق من جديد إذا اقتضى الأمر ذلك. والأسبوع الماضي رفض الجيش التركي تفكيك بعض معسكراته في شمال العراق، ولا يزال يعمل هناك حتى بوجود مركز مراقبة واحد. لا نعرف بعد كيف ستتطور الأمور في الربيع المقبل. قال مصدر مقرّب من أردوغان إن الأخير سيلقي في مطلع نيسان كلمة في جنوب شرق تركيا يشرح فيها الخطوات التي سيتخذها بشأن المسألة الكردية. وإذا شن “حزب العمال الكردستاني” مزيداً من الهجمات، فسترد المؤسسة العسكرية عليه.
وفي النهاية قد يواجه أردوغان ثلاث مشكلات تنطلق من نقطة واحدة: الوعود للشعب الكردي، والخلاف مع المؤسسة العسكرية، وقبل كل شيء الاضطرابات في العلاقات الاقتصادية مع العراق. ويعني ذلك خسارة استثمارات وملايين الدولارات.
في الختام، يمكن القول إن بغداد وإربيل تتنازعان على المال، والحكومة والمؤسسة العسكرية في تركيا تتنازعان للسبب القديم نفسه حيث تبدو المسألة الكردية أحياناً وكأنها مجرّد ذريعة.
خاص بـ”قضايا النهار
مارتا أوتافياني – اسطنبول
(صحافية إيطالية مقيمة حالياً في اسطنبول ارسلت مقالها وترجمته نسرين ناضر عن الإنكليزية )