صفحات العالم

انشغالات العالم وتوجهاته

الدكتور عبدالله تركماني
مع افتتاح الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عادت المنظمة الدولية إلى دائرة الضوء، ليس فقط كأهم وأوسع منتدى دولي، بل أيضا وبالدرجة الأولى كوظيفة ودور لحفظ السلم والأمن الدوليين.
لقد انعقدت الدورة في ظل أزمات عالمية معقدة، بدءا من تداعيات أزمة القوقاز على العلاقات الدولية، ومرورا بملف إيران النووي والأزمة الاقتصادية الشاملة التي تهدد بمزيد من التباطؤ في مكافحة الفقر، تحت عنوان “المعركة لبلوغ أهداف الألفية من أجل التنمية” بغية خفض ظاهرة الفقر إلى النصف بحلول عام 2015. إذ ثمة مخاوف من أن يؤثر زلزال 15 أيلول المالي على التقدم في مكافحة الفقر والمرض (يموت 30 ألف شخص يوميا جراء الجوع وسوء التغذية والأمراض، 85 في المئة منهم هم من الأطفال دون سن الخامسة).
وفي الواقع، فإنّ الدعوة إلى تأسيس شراكة عالمية لمواجهة تحديات التنمية، عبر تقديم المساعدات المطلوبة للدول النامية، هي دعوة فائقة الأهمية بالنظر إلى عوامل أساسية عدة: أولها، إنه وبعد مرور نصف الفترة المنشودة لبلوغ أهداف التنمية للألفية، فإنّ تقرير الأمم المتحدة الأخير المعني بهذا الشأن، أكد أنّ التقدم المحرز في هذا السياق يسير ببطء، وأنه ما زال هناك الكثير من التحديات القائمة التي تعرقل تحقيق هذه الأهداف في العديد من البلدان النامية، خاصة القارة الأفريقية. وثانيها، عدم وفاء بعض المانحين من الدول والتكتلات الكبرى بتقديم المساعدات المعلنة أو المقررة إلى الدول الفقيرة أو تأخير حجم هذه المعونات وتقليصها.
ومن المؤسف أنّ لا تكون القضية الفلسطينية أحد أهم المشاغل للدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لدرجة غياب هذه القضية عن الكلمة التي افتتح بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعمال الدورة الحالية. كما أنّ الرئيس بوش بدل أن يلامس الأمور بطرح مختلف، ولو على سبيل تسجيل موقف، بقي على مكابرته وتجاهله لقضايا الساعة وهمومها. إذ ذكر عبارة إرهابي 32 مرة، مقابل اكتفائه بالقول: “إنّ الفلسطينيين يستحقون دولة حرة لهم”، أما من يقف في طريق هذه الدولة، مسألة لا تخصّه، أو كأنه لا يدري ولا بمقدوره أن يفعل شيئا في هذا المجال.
وبالرغم من كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى العديد من الحكومات، ففي هذا العالم الجديد باتت الانشغالات والتحديات مرتبطة على نحو متزايد بالتعاون، وليس المواجهة. إذ لم يعد بوسع الدول أن تحمي مصالحها، أو أن تعزز من رفاهية شعوبها، من دون الشراكة مع بقية الأمم.
ولم يكن الأمين العام بان كي مون يحتاج إلى كبير عناء ليكتشف الحاجة الملحة إلى قيادة عالمية لأزمات العالم، فالسنوات الثماني الأمنية التي توازي عدد سنوات ولايتي الرئيس الأميركي جورج بوش، كانت مليئة بالسياسات التي قادت العالم إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. وفي هذا السياق لا يحتاج الأمين العام إلى من يذكره بحدود قدرة المنظمة الدولية، إذ يجب أن تدفعه تجارب أسلافه مع شؤون العالم وشجونه إلى استخلاص العبر: قوة الأمم المتحدة مرهونة باستعداد الكبار لضخ قدر من القوة في عروقها، فقرارات المنظمة الدولية هي في النهاية حصيلة التوافق داخل نادي الكبار.
كما ينبغي لكل المعنيين بتطوير أداء وإعادة هيكلة الأمم المتحدة إيلاء أهمية قصوى لتفعيل دور الجمعية العامة، وجميع آليات العمل داخل الأمم المتحدة، بما يضمن تحقيق الأهداف التي توخى تحقيقها واضعو الميثاق الأممي, وحتى لا تفقد الشعوب البقية الباقية من ثقتها في هذه المنظمة الدولية المهمة.
ولا شك أنه بالإضافة إلى مختلف القضايا المطروحة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومستقبل السلام في الشرق الأوسط، فإنّ ما طرأ من أزمات جديدة على الساحة الدولية لا يمكن إلا أن يؤكد أنّ هيئة الأمم المتحدة في حاجة، لا تقبل التأجيل، لمحاسبة نفسها وإعادة مراجعة الأهداف التي بُعثت من أجلها وتحديد أولوياتها، وذلك حتى تتمكن من تبرير وجودها.
إنّ هذه الدورة، التي تسبق إحياء الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تمثل أعسر اختبار للمجموعة الدولية في إنقاذ شعوب العالم من الأسوأ، إذ إنّ مجال حقوق الإنسان، بشموليته للاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، يتطلب قدرا عظيما من اليقظة، فمثلا لا بد من التعامل مع العدالة باعتبارها من أهم الأعمدة التي يقوم عليها السلام والأمن والتنمية. كما يجب علينا، كما قال الأمين العام، أن نطور مبدأ “المسؤولية عن الحماية، فرغم المصاعب السياسية الحقيقية، لا يجوز لنا أن نترك الجرائم ضد الإنسانية تمر دون عقاب”.
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى