صفحات العالم

انقلاب كبير

سعد محيو
هل “إسرائيل” على وشك القيام بانقلاب دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط؟
أجل. وربما انقلاب استراتيجي أيضاً.
فبعد ست سنوات متواصلة من الرفض القاطع لمبادرة السلام السعودية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2006 ثم أكدتها قمة الرياض العام ،2007 قام كل من وزير الدفاع باراك والرئيس “الإسرائيلي” بيريز بنفض الغبار عنها وبثا فيها فجأة روحاً جديدة.
قال باراك: “في ظل المفاوضات المنفردة مع دمشق وعدم إحراز أي تقدم على المسار الفلسطيني، ربما حان الوقت لكي تسعى “إسرائيل” إلى تحقيق اتفاق سلام شامل في المنطقة”. وقال بيريز: “سنسعى الآن إلى إجراء مفاوضات سلام مع العالم العربي على أسس مبادرة السلام العربية عوض المفاوضات المنفردة، وباراك ورئيسة الوزراء المعينّة ليفني يدعمان هذا التوّجه”.
ماذا وراء أكمة هذه اليقظة “الإسرائيلية” المفاجئة حيال أهمية السلام الإقليمي مع العرب؟
أمر واحد في الغالب: استباق التغيرات المحتملة في مناخات الشرق الأوسط التي ستحدث مع احتمال وصول المرشح الديمقراطي أوباما إلى سدة البيت الأبيض، والتي ستتضمن انفتاحاً دبلوماسياً أمريكياً مع إيران، لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة. وهذا يمكن أن يتم إذا ما نجحت الدولة العبرية في تحقيق الاصطفاف الاستراتيجي الجديد الذي دعت إليه منذ أشهر وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، والداعي إلى تشكيل محور أمريكي  “إسرائيلي”  عربي “معتدل” في مواجهة إيران وحزب الله وحماس، إضافة إلى سوريا إذا لم تبتعد عن فلك طهران.
ثم، ثمة دافع آخر: تهيئة الأجواء الاقليمية، وبعدها الدولية، لمرحلة المفاوضات الأمريكية  الإيرانية وما بعدها. فإذا ما بدا أن هذه المفاوضات تسير في طريق النجاح (وهذا ما تستبعده تل أبيب نظراً إلى فجوة الثقة بين واشنطن وطهران) ستكون “إسرائيل” وحلفاؤها الجدد في الشرق الأوسط في وارد المطالبة بضمانات كاملة حول ضرورة عدم امتلاك إيران الأسلحة النووية وتغيير سلوكها الإقليمي في العالم العربي. أما في حال فشل المفاوضات أو تعثرها (وهذا ما تتوقعه أو تتمناه الدولة العبرية) فالطريق سيكون سالكاً أمام الخيار العسكري. وحينها الاصطفاف الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط سيكون حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى.
باراك أوباما أيد هذا الخيار السلمي المفتوح على جهنم الحرب حين زار “إسرائيل” في تموز/ يوليو الماضي، وأعلن من هناك أن ““الإسرائيليين” سيهاجمون إيران في حال فشلت المساعي الدبلوماسية”. وقد اعتبر هذا الإعلان آنذاك بمثابة ضوء أخضر فاقع ل “إسرائيل” للبدء في شن الغارات، إذا وصلت مساعي واشنطن لإقناع طهران بتغيير توجهاتها النووية والإقليمية إلى طريق مسدود.
هذا لا يعني أن الدولة العبرية ستستسلم لكل ما قد يجري على جبهة المساومات الأمريكية  الإيرانية، خاصة إذا ما تضمن ذلك توجهاً لمراقبة إنتاج اليورانيوم في “إسرائيل” في مقابل وقف تخصيبه في إيران، أو إذا ما توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاقات جزئية لا ترضي تل أبيب. وهي حينذاك ستسعى إلى نسف المسار الدبلوماسي بشتى الوسائل. بيد أنها الآن انحازت لخيار جمع الأوراق وتحضير الأجواء المناسبة استعداداً لجولة الصراع المقبلة.
بكلمات أوضح: تل أبيب تتجه إلى القيام بانقلاب دبلوماسي إقليمي استباقي، لمواجهة التقلبات المتوقعة في المناخات الإقليمية  الدولية، خاصة بعد أن بات من شبه المؤكد وصول أوباما إلى البيت الأبيض ومعه خطة بيكر  هاميلتون للانفتاح مع إيران.
و”تذكّر” “إسرائيل” للعرب الآن جزء رئيسي من هذا الانقلاب العتيد.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى