صفحات العالمما يحدث في لبنان

رسم حدود السيادة اللبنانية

حسام عيتاني
المشاورات الرامية الى تشكيل حكومة جديدة في لبنان، تَرسم الحدود الحقيقية لهذا البلد، في السياسة والأمن والعلاقات الخارجية، وبالأحرى في تضافر المكونات المحلية والإقليمية التي تَحول دون ادعاء اللبنانيين إنجاز استقلال من الصنف الذي تنعم به دول العالم الأخرى.
الاقتراحات التي تنشر تفاصيلها الصحف (وتتفنن بعض وسائل إعلام الأقلية في تصويرها كاستسلام نهائي لقوى 14 آذار (مارس) على رغم فوزها الانتخابي الذي لم يمض عليه شهر بعد، تتحدث عن قمم ثلاثية أو رباعية في دمشق أو شرم الشيخ وعن صدور «إعلانات» يتعهد فيها فريق رئيس الوزراء اللبناني المكلف عدم اتخاذ أي قرار «سيادي» من دون تشاور مع الأقلية، يصل في واقع الأمر الى طلب الإذن قبل الإقدام على أي خطوة في المسائل كافة، الكبير منها والصغير.
لا معنى، في السياق هذا، للانجرار الى تكهنات تتعلق بموعد زيارة سعد الحريري الى العاصمة السورية وإذا كانت ستحصل قبل تأليف حكومته الأولى أو بعده. ولا فائدة من إطلاق سجال عقيم، آخر، حول ما اذا كانت زيارة كهذه تشكل انتكاسة لمشروع تحالف الرابع عشر من آذار أو تحصيناً للدولة اللبنانية وضمّاً لها الى مناخ المصالحات العربية المرجوة.
ما نراه مفيداً للبنانيين من التجربة الجديدة هذه، وللمواطنين منهم قبل قياداتهم السياسية، هو التمعن في حدود الدور الذي يمكن ان يؤديه بلدهم في المسارات العامة في المنطقة. بكلمات أخرى، ان لبنان ممتاز كساحة للصراعات العنيفة والمناكفات الأقل عنفاً، لكنه ليس بقادر على خوض صراعات تخصه أو تعنيه مباشرة مع أطراف إقليمية أو دولية تفوقه اقتداراً وإمكانات، أو أن يخوض معركة تعتبر أكثرية من أبنائه انها ضرورية لتكريس حدود تدخل الخارج في شؤونه.
تجارب الأعوام الأربعة الماضية، وإن أُعطيت معاني مختلفة، من «الاستقلال الثاني» الى «الانتصار الإلهي»، أي كف أيدي قوتين إقليميتين مهمتين (بغض النظر عن الفوارق بينهما وعن تاريخ علاقات لبنان بهما) عن الاستمرار في تشكيل الواقع السياسي والأمني اللبناني، ليست تكفي – التجارب – للخروج باستنتاج من نوع ان لبنان قد نجح في ترسيم حدود سيادته. كثافة المساعي الجارية في اكثر من عاصمة عربية في شأن إخراج الحكومة اللبنانية المقبلة الى النور دليل على ندرة «السيادة» اللبنانية والأهم، انها دليل على انضواء لبنان، بـ «سيادييه» و «مقاوميه»، سواء بسواء، في منظومة إقليمية ودولية ترفض إفلاته أو تركه يقرر مصيره بمفرده.
لا يغيب عن البال هنا، ان اللقاءات والاتصالات السعودية – السورية – المصرية تتجاوز المسائل اللبنانية وتندرج في إطار أشمل يمتد من إعادة تعريف العلاقات العربية – العربية الى وضع صياغة جديدة للدور الإيراني في المنطقة وما يمكن ان يستجد على صعيد المفاوضات مع إسرائيل. استقرار لبنان وانضمامه الى المصالحات العربية يتعلقان، في المقام الأول، بحاجات سياسية تتجاوز حدوده، وتتخطى، حكماً، حاجات الأطراف المتنازعة فيه على مقاعد وحصص حكومية.
لعل في هذا عزاء لمناصري مقولة «صراع الآخرين على ارض لبنان» الذين ما زالوا ينفون أي دور لمواطنيهم في المآسي اللبنانية، حيث يبدو ان «مصالحة الآخرين»، هذه المرة، تعود بفائدة ما على اللبنانيين. لكن لا الشعار الأول ولا الثاني ينفيان حقيقة ان البلد هذا قد ضَمِن لنفسه، بسبب من هشاشة تركيبته السياسية (واستطراداً الطائفية والديموغرافية) «حق» ترسيم حدوده وسيادته مرة كل بضعة أعوام.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى