صفحات سورية

الأمن يتأبّط السفارة: تقيّيد المعارضين السوريّين وفتح حوار مباشر

null
نقولا ناصيف
ينتظر أن تنشط في الأيام المقبلة حركة الاتصالات اللبنانية ـــــ السورية للانتقال من الإعلان عن تبادل دبلوماسي بين البلدين إلى وضعه موضع التنفيذ الذي لم يعد يقتصر على السفارتين، بل يشمل جوانب أخرى سياسية وأمنية وعسكرية. وتبعاً لمعطيات مسؤولين رسميين، فإن للجانبين السياسي والأمني تأثيراً مباشراً على إطلاق العلاقات الدبلوماسية، من غير أن يكونا شرطين لازمين لها. لكنهما كذلك عندما يتعلق الأمر بتعزيز الثقة والحوار بين الدولتين والمسؤولين فيهما، توطئة لمعالجة المشكلات العالقة. بعض تلك المشكلات يتناول الآتي:
1 ـــــ تقييد المعارضين السوريين في نشاطاتهم على الأراضي اللبنانية. ورغم أن لا بروتوكول أمنياً لبنانياً ـــــ سورياً على هذا الصعيد تزامن مع إعلان التبادل الدبلوماسي على غرار ما شهدته علاقات الاستخبارات العسكرية اللبنانية والسورية في عقدي الستينيات والنصف الأول من سبعينيات القرن الماضي إبّان مرحلة تعاون سياسي وعسكري، فإن الأجهزة الأمنية اللبنانية تتحرّك في اتجاه إزالة التحفّظ السوري على حركة المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد في لبنان. وكان مسؤولو الأجهزة الأمنية اللبنانية قد تبلّغوا تمنّياً سورياً بمراقبة نشاطات المعارضين وتقييدها في مرحلة يسعى البلدان إلى طيّ صفحة الأعوام الثلاثة المنصرمة وإعادة بناء الثقة.
ولأن لبنان لا يزال يتبع تقليداً درج عليه منذ عهد الرئيس فؤاد شهاب بعدم تسليم معارضين سوريين إلى سلطات بلادهم، مكتفياً بمراقبة نشاطاتهم وتقييدها، حدّدت الأجهزة الأمنية اللبنانية المعنية نطاق مهمتها، وهي أنها لا تسلّم إلى دمشق المعارضين السوريين المقيمين في لبنان طبقاً للأصول القانونية، ولا تضع نفسها في مواجهة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، فأبلغت إلى أولئك الذين نشطوا في الأشهر الأخيرة ضرورة اتخاذ أحد خيارين: البقاء في لبنان بلا أدنى نشاط مناوئ لنظام بلادهم أو مغادرته. ترافق هذا التخيير مع تنبيهم إلى أن حياتهم قد تكون في خطر إذا هم أصرّوا على البقاء في لبنان والمضي بأنشطة تسيء إلى التقدّم الجديد والإيجابي في علاقات البلدين، وأن قدرات الأجهزة الأمنية على حمايتهم قد لا تكون كافية لتجنيبهم تهديداً قد يتعرّضون له في ظلّ وجود حلفاء ومؤيّدين لسوريا قد لا يتردّدون في التعرّض لهم. كان هذا التنبيه إشعاراً لبقاً ومقنعاً بوجوب مغادرة لبنان تفادياً لتعكير الوضع الجديد. وكانت الأجهزة اللبنانية قد لحظت في الفترة الأخيرة تحرّك خمسة معارضين سوريين في الداخل اللبناني مع أفرقاء من قوى 14 آذار ويحظون بحمايتهم ويحصلون منهم على تسهيلات في حركتهم وإقامتهم. وهم ـــــ إلى مأمون الحمصي ـــــ نواف العلي ونضال صبح وزياد العجوز ومحمد ضرغام. وتردّد أن العلي استدعي إلى التحقيق لدى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ثم أطلق.
2 ـــــ إعادة فتح قنوات الحوار بين السلطات الأمنية والعسكرية اللبنانية والسورية. وبعد لقاء مدير الاستخبارات العميد الركن إدمون فاضل بنظيره السوري اللواء آصف شوكت، يوم الأحد في 12 تشرين الأول، تتحدّث جهات رسمية واسعة الاطلاع عن زيارة سيقوم بها وزير الدفاع الوطني إلياس المرّ لدمشق في مدى قريب للقاء نظيره العماد حسن تركماني، بعدما كانا قد استأنفا قبل شهر الاتصالات الهاتفية بينهما. وكانت قد نشطت في الأسابيع الأخيرة مساع لإعادة الحرارة إلى علاقة المرّ بدمشق بعد جدل كثير ومتشنّج في معظمه رافق محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الوزير اللبناني ووجّه إثرها على نحو غير مباشر، أكثر من تلميح إلى مسؤولية سورية عن محاولة قتله عام 2005. ويشارك في هذه الجهود الوزير السابق سليمان فرنجية، في موازاة قنوات اتصال غير مباشرة بين المرّ وسوريا.
ووسط تكتّم حيال مسار الوساطة المبذولة، رجّحت الجهات الرسمية لقاءً قريباً بين المرّ وفرنجية، يأتي في سياق انفتاح وزير الدفاع على أفرقاء المعارضة، بعدما كان قد التقى إلى عشاء خاص وزير الاتصالات جبران باسيل. كذلك تحدّثت معلومات أخرى عن لقاء حصل بعيداً عن الأضواء بين المرّ والرئيس ميشال عون اللذين تجمعهما جيرة الرابية، يتصل في بعض جوانبه بانتخابات الربيع المقبل. أضف أن والد الوزير النائب ميشال المرّ لا يزال على صلة وثيقة بالمسؤولين السوريين، ولم تنقطع الرسائل المتبادلة معهم رغم التحوّلات التي ضربت الوضع اللبناني، وقد استعادت بعض حرارتها في اتجاه تحسين علاقة ابنه بدمشق وطيّ صفحة الماضي أيضاً. يصبّ ذلك في إطار إعادة بناء العلاقات اللبنانية ـــــ السورية على صعدها السياسية والأمنية، انطلاقاً من حجّة مفادها أن زيارة الرئيس ميشال سليمان لدمشق شقّت بلا تردّد الطريق إلى تطبيع علاقات البلدين واستعادة تعاونهما بما عبّر عنه بيان القمة في 14 آب ثم إعلان التبادل الدبلوماسي في 15 تشرين الأول. الأمر الذي يسقط ذرائع إبقاء أبواب الحوار مع دمشق موصدة. بذلك يرجّح تزامن زيارة المرّ لدمشق مع أخرى لوزير الداخلية زياد بارود الذي فتح بدوره حواراً أوّلياً معها باتصاله مرتين بنظيره اللواء بسام عبدالمجيد.
وخلافاً للمرّ، لا يعرف بارود أيّاً من المسؤولين السوريين، ولم يكن بينه وبين دمشق يوماً ما كان بينها وبين المر قبل أن يصنع الحدّاد وبعد الذي صَنَع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى