صفحات سورية

هل فقد الخلاف السوري ـ السعودي »وظيفته الغربية«؟

null
عماد مرمل
عادت العلاقة السورية ـ السعودية الى دائرة الضوء والرصد، بعد التصريح اللافت للانتباه الذي أدلى به مؤخرا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والذي أوحى من خلاله أن المملكة العربية السعودية هي بصدد القيام بعملية »إعادة تموضع« دبلوماسي على خط الأزمة الناشبة بينها وبين دمشق منذ حرب تموز وما تلاها من تداعيات.
وكانت شراره تلك التداعيات قد انطلقت مع وصف المملكة للحرب التي خاضها حزب الله في تموز ٢٠٠٦ بأنها مغامرة غير محسوبة، ليأتي الرد لاحقاً على لسان الرئيس بشار الأسد شخصيا عندما شن هجوماً عنيفاً على من وصفهم بـ»أنصاف الرجال«، فتفاقم الخلاف ولم يعد هناك من مكان حتى لـ»أنصاف الحلول«.
ولئن كان اتفاق الدوحة قد نجح الى حد ما في حصر أسباب الخلاف والتوتر السوري ـ السعودي، إلا انه لم يمنع استمرار تسرب »إشعاعاته« الى العمق اللبناني، ولعل أبرز مظاهر التسرب يتمثل في بروز المجموعات التكفيرية التي وجدت في الصراع بين الرياض ودمشق بيئة ملائمة للنمو على ضفافه.
أمام هذا الخطر العابر للحدود، اضطرت أوروبا وحتى الولايات المتحدة الى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية، فالتقت مع سوريا على الحاجة الى مواجهته، ووجد الغرب انه لم تعد لديه مصلحة آنية في الاستثمار على الخلاف السوري ـ السعودي كونه أصبح يوفر مناخا دافئا لـ»حضانة« الحركات التكفيرية التي اضطرت بفعل الضغوط عليها في أفغانستان وأجزاء كبرى من العراق الى البحث عن ملاذ آمن في شمال لبنان والموصل كما أكد المسؤول الأميركي جون نيغروبونتي.
وهكذا فقد الصراع بين الرياض ودمشق وظيفته الإقليمية في حسابات مراكز القرار الغربية، بل إن »المصلحة المشتركة« باتت تقضي باحتوائه لتجفيف أحد المنابع التي يرتوي منها »التطرف المفخخ«، لا سيما بعدما قررت أوروبا وفي طليعتها فرنسا الانفتاح على سوريا وبالتالي تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، وبهذا المعنى لم تعد العلاقة السورية ـ السعودية شأناً ثنائياً يخص البلدين، بل أصبحت جزءاً من منظومة سياسية وأمنية أكثر تعقيداً.
وبرغم أن الرياض عاتبت العواصم الأوروبية المعنية على السلوك الجديد تجاه دمشق والقفز فوق الموقف السعودي، إلا أن ذلك لم يوقف الاندفاعة الدولية تجاه سوريا، بل إن العكس هو الذي حصل، إذ تكثفت الاتصالات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية لجذبها في اتجاه نقطة الالتقاء أو التقاطع مع دمشق، على قاعدة أن استعمال ورقة التطرف في لعبة تصفية الحسابات الإقليمية بات من الممنوعات.
ويجدر التوقف هنا عند الزيارة التي قام بها منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الى الرياض ومن ثم دمشق، والمعروف عن الأخير أنه كثيرا ما يمثل في خلفية طروحاته الأوروبيين مرة والأميركيين مرة أخرى، ولعله في هذه الزيارة جمع هواجس هؤلاء في حقيبة واحدة.
وبعد اللقاء مع سولانا خرج وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ليقلل من أهمية المشكلة مع دمشق، قائلا انه إذا كانت ثمة خلافات فهي ضمن أسرة واحدة، ولا بد من أن تنتهي قريبا وتعود المياه الى مجاريها.
واللافت للانتباه أيضا في ما قاله، تأكيده أن الرئيس ميشال سليمان لم يتحدث خلال اجتماعاته في الرياض عن وجود حشود سورية على الحدود مع لبنان، ما يعني أن السعودية قررت تجاوز العواصف التي أثارها حلفاؤها في بيروت حول الحشود السورية، في دلالة واضحة على صحة المعطيات القائلة بأن مداخلات غربية جرت مع المملكة لثنيها عن التصعيد.
وهناك أيضا من نصح بوضع خط عريض تحت الكلام الذي أدلى به الفيصل بخصوص قيام المملكة وبناء على طلب رسمي من الرئيس الأفغاني حميد قرضاي، بمحاولة لإطلاق مفاوضات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ما يعطي إشارة واضحة الى أن للرياض ما يكفي من الروابط مع »طالبان« لخوض وساطة بينها وبين القيادة الأفغانية وضمناً التحالف الغربي.
ومن شأن هذا المعطى أن يمنح البعض في الداخل حجة إضافية لطرح علامات استفهام حول خلفيات صعود أسهم الجهات المتطرفة في لبنان ومدى حصولها على رعاية إقليمية، بهدف توظيفها في صراعات المحاور.
وفي كل الحالات، يتجنب مقربون من سوريا الذهاب بعيداً في البناء على الموقف السعودي المرن، معتبرين أنه مؤشر إيجابي لا بد من أخذه بالحسبان ولكنه لم يرق بعد الى مستوى التحول في السياسة السعودية، ويجب الانتظار قليلا لمعرفة المدى الذي يمكن ان يصل اليه.
ويؤكد هؤلاء أن دمشق لا تقفل الباب أمام فتح صفحة جديدة مع الرياض إذا كانت هناك جدية في مقاربة العلاقة الثنائية على أسس سليمة تعترف بأن لكل من العاصمتين دوره وموقعه وأنه ليس مطلوبا أن يتبع أحدهما الآخر أو يلتحق به.
وما رفع منسوب الحذر لدى سوريا وأصدقائها اللبنانيين تجاه التصريحات الأخيرة للفيصل، أنها تزامنت مع مقال لجمال الخاشقجي المقرب من العائلة المالكة، في صحيفة »الوطن« السعودية، نسب فيه الى الملك عبد الله موقفا متشددا حيال النظام السوري، الأمر الذي دفع هؤلاء الى التساؤل عما إذا كانت هناك »مملكتان سعوديتان«، لا واحدة، من حيث التوجهات السياسية.. إلا أن السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة قال لـ»السفير« إن الأمير سعود الفيصل لا يلقي كلامه عبثا وهو لم يتكلم من فراغ، بل كان يعبر عن مشاعر حقيقية تكنها المملكة ونحن فعلا نشكل وسوريا أسرة واحدة، موافقا على الاستنتاج القائل بأن هناك لغة إيجابية في التخاطب قياسا الى المرحلة السابقة.
ومع ذلك، هناك من لا يتوقع نقلة نوعية في اتجاه تطبيع الوضع السعودي ـ السوري قبل ظهور معالم نتائج التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في كانون الاول المقبل، والذي سيكون بمثابة قرار ظني يمهد لانطلاق المحكمة الدولية، وعندها يمكن أن يتحدد المسار النهائي للعلاقة الثنائية، وحتى ذلك الحين فإن أقصى ما يمكن الوصول اليه هو »ربط النزاع« أو »تنظيم الخلاف« بين البلدين، على الطريقة اللبنانية الدارجة مؤخرا.
وأياً يكن الامر، يقول أحد المتابعين لملف العلاقة بين دمشق والرياض ان الغرب أتى بالدب الى كرمه عبر القرار ١٥٥٩ الذي أسس لخروج سوريا من لبنان ووضع المقاومة تحت الضغط، فأوجد فراغا قسريا ملأته »القاعدة« أو مرادفاتها التي وجدت مساحة واسعة للتحرك تحت مظلة العداء لسوريا والتصدي لمشروع حزب الله، وبالتالي فإن من جلب الدب الى كرمه عليه أن يخرجه منه وأن يتحمل في السياسة تبعات مغامرته غير المحسوبة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى