ارهاب امريكي يستهدف سورية
رأي القدس
الانزال الجوي الامريكي في بلدة بوكمال السورية قرب الحدود العراقية يسجل سابقة على درجة كبيرة من الخطورة، لما يمكن ان تترتب عليه من نتائج على الوجود الامريكي في العراق اولا ومصداقية الحرب الامريكية على الارهاب ثانيا.
المتحدثون الامريكيون قالوا ان هذه الغارة الجوية التي اسفرت عن استشهاد ثمانية سوريين مدنيين استهدفت احد مهربي رجال المقاومة الذين يقاتلون ضد القوات الامريكية في العراق، ولكن هذا التبرير لا يمكن ان يخفي حقيقة مفادها ان هذا العمل ارهابي، بل هو ارهاب دولة في ابشع صوره، وانتهاك لسيادة دولة مستقلة عضو في الامم المتحدة، من قبل دولة تقول انها ضحية الارهاب، وتنصب نفسها زعيمة للعالم الحر.
الحكومة السورية تعاونت بالكامل مع المطالب الامريكية والعراقية باغلاق الحدود امام كل الراغبين في الانضمام الى جماعات المقاومة، واقامت سواتر ترابية عالية، ونقاط مراقبة، واعترفت لها الادارة الامريكية بهذه الجهود التي خفضت اعداد المتسللين بشكل ملحوظ.
صحيح ان بعض عمليات تهريب المقاتلين استمرت بشكل متقطع، على يد بعض المتمرسين في هذا الصدد، مدفوعين باغراءات المال، رغم نجاح الجهود الرسمية الامنية في احباط نسبة كبيرة منها، ولكن لا توجد حدود في العالم، بما في ذلك حدود الولايات المتحدة نفسها المحمية بأفضل القوات تسليحاً وعتاداً، في مأمن تام من عمليات التهريب، ومهارات المهربين المتخصصين في هذا الاطار، والا لما وصل عدد المقيمين غير الشرعيين من المكسيك ودول امريكا الجنوبية، الى اكثر من ثمانية ملايين شخص في السنوات العشرين الماضية.
والأكثر من ذلك اقدمت الحكومة السورية على فتح سفارتها في بغداد وتبادل العلاقات الدبلوماسية مع حكومة ‘العراق الجديد’ المنبثقة من رحم الاحتلال، واستقبلت رئيس وزرائها، وعددا من وزرائها، وفتحت اراضيها لأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ عراقي فروا بأرواحهم من عمليات التطهير العرقي التي مارستها الميليشيات، وما زالت تمارسها منذ بدء الاحتلال الامريكي.
الادارة الامريكية استخدمت اسلوب الغارات نفسه داخل الاراضي الباكستانية، تحت ذريعة ضرب مواقع لحركة طالبان وتنظيم ‘القاعدة’ فجاءت النتائج عكسية تماماً، من حيث زعزعة استقرار باكستان البلد الأكثر تعاوناً مع الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب، وتصاعد كراهية الشعب الباكستاني لها، اي امريكا، وتأييده لطالبان و’القاعدة’ في الوقت نفسه.
ان هذه الغارة تعكس ارتباكاً امريكياً ناجماً عن احباط متضخم نتيجة الاحساس بالهزيمة والفشل في العراق، الهزيمة من جراء تفاقم الاوضاع الامنية، وتدهور اوضاع الشعب العراقي المعيشية، والفشل في توقيع اتفاقية امنية مع الحكومة العراقية تضفي شرعية على الوجود الامريكي لسنوات قادمة.
فبعد خسارة اكثر من اربعة آلاف جندي، وسبعمئة مليار دولار، وانهيارات سياسية ومالية واخلاقية متواصلة، تجد الادارة الامريكية نفسها عاجزة عن اقناع حلفائها العراقيين الذين أتت بهم الى السلطة، بعد اطاحة النظام السابق، بقبول مطالبها في اعتماد هذه الاتفاقية.
سورية تعرضت لعدوان ارهابي امريكي، يضاف الى سلسلة من الاعتداءات الاسرائيلية استهدفت سيادتها وطالت بعض المسؤولين فيها وفي حزب الله اللبناني (عماد مغنية)، ولكن هذا العدوان يعزز مكانتها العربية، وربما يؤدي الى مزيد من الالتفاف الشعبي حول نظامها في هذه المرحلة التي تحاول امريكا وحلفاؤها العرب عزله. فمن تعتدي عليه الولايات المتحدة وتستهدفه اسرائيل يحصل على وسام شرف وطني من قبل ملايين العرب.
القدس العربي