ثلاثة أشهر لبوش وأولمرت
محمد إبرهيم
الغارة الأميركية على القرية السورية على الحدود مع العراق ربما تكون مؤشراً الى ما ينتظر المنطقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
توقعات كثيرة قالت انه ما بين انتخاب الرئيس الأميركي الجديد واستلامه مهماته في 20 كانون الثاني المقبل فترة خطرة قد تستغلها الادارة الأميركية الحالية لتصفية حساباتها.
واللافت ان ما لم تجرؤ عليه الادارة الاميركية في ذروة تمددها العراقي، وفي الفترة التي كان رائجاً الحديث فيها عن تغيير الأنظمة في المنطقة، بادرت اليه ولم يتبقّ على ولاية جورج بوش سوى أقل من ثلاثة أشهر.
هذه “الخطوة” تلقي ضوءاً على ما اعتبر غامضاً في الموقف الاميركي من الخطوات الفرنسية تجاه سوريا والتي شكلت أساس الاعلان غير الرسمي عن فك الحصار الخارجي على سوريا.
فبعد محاولات لإقامة تواصل مباشر بين الخارجية الأميركية ودمشق ها هي الغارة تعلن ان الفترة الباقية على ادارة بوش ستكون فترة مواجهة لا فترة تكثيف التواصل الأميركي – السوري.
وكان لافتاً أيضاً البرود الفرنسي حيال العملية الاميركية، من حيث الدعوة الى “ضبط النفس” مع اشارة عامة الى احترام سيادة الدول. وبدا ذلك واضحاً بالمقارنة مع ردود فعل روسيا والصين مثلاً.
علماً أن الرئيس الفرنسي أثبت في أكثر من ملف أنه ليس مجرد صديق وثيق للادارة الاميركية كما شاع لدى انتخابه.
قبل اسبوع عن الانتخابات الرئاسية الاميركية ليس هناك من عوامل ضاغطة تجعل من العملية الاميركية ضرورة داخلية. فمن المعروف ان تسلل المقاتلين الى العراق انخفض الى مستويات دنيا باعتراف المسؤولين الاميركيين أنفسهم. ومن المفترض ألاّ يتدخل الرئيس الاميركي الذي تنتهي ولايته بطريقة فظة في ساحة قد تتطور لتؤثر بشكل ما على الانتخابات الاميركية.
تستطيع ادارة بوش الادعاء ان موضوع التعامل مع الارهاب يشكل قاسماً مشتركاً للديموقراطيين والجمهوريين في أميركا، وأن ضرب “القاعدة” هو على رأس جدول أعمال المرشح الديموقراطي باراك أوباما، لكن ذلك لا يجري في باكستان الحليفة وانما في سوريا حيث لأوباما جدول أعمال مختلف يشمل حتى فتح القنوات مع ايران ذات الملف الأكثر تعقيداً مع الولايات المتحدة.
إذا كان بوش سيمضي الأشهر الثلاثة المقبلة في رسم وقائع على الارض سواء كان الفوز مرجحاً لأوباما أم حدثت مفاجأة قلبت التوقعات، فإنه سيجد حليفاً في رئيس الحكومة الاسرائيلية الذي باتت اوضاعه تشبه أوضاع الرئيس الاميركي.
لقد حصل ما توقع إيهود أولمرت ولم تستطع رئيسة حزب “كاديما” تسيبي ليفني تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة، وبات مؤكداً ان أولمرت باقٍ الى ما بعد شباط المقبل، أي الى موعد انجاز تشكيل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات العامة المبكرة للكنيست.
وقد طمأن أولمرت القلقين الى ان حكومته تتمتع بكل الصلاحيات لاتخاذ القرارات في الفترة الانتقالية الفاصلة والتي تتقاطع مع الفترة الأخيرة من ولاية بوش.
لقد اصبح لدينا في واشنطن وفي تل ابيب زعيمان لا تربطهما بـ”المستقبل” السياسي اي علاقة. وبذلك هما الأكثر تحرراً تجاه شعبيهما. والطريف ان علاقة أولمرت بحزبه “كاديما” تشبه علاقة بوش بالحزب الجمهوري، فالمرشحان عن الحزبين ينأيان عن أية صلة لهما بالرئيسين الخارجين وبحصيلة تجربتهما في الحكم.
السجل السابق لبوش وأولمرت لا يزن لمصلحة توقع ردود فعل عاقلة على أوضاع سياسية معقدة، فكيف إذا اضفنا الى ذلك الاحباط الناجم بالنسبة لبوش عن الانهيار المالي الأميركي ومن ثم العالمي، وبالنسبة لأولمرت عن الحلقة الأخيرة من عملية اقصائه عن الحكم والتي تمثلت بتوجيه اتهامات بالفساد اليه؟
ربما تكون الغارة على سوريا مقدمة لتصعيد لاحق مع إيران خصوصاً ان الاضطراب يسود الاجابات التي تقدمها مختلف الاحزاب الاسرائيلية رداً على اكتساب ايران قدرات نووية، وكذلك القدرة، أو الرغبة الاميركية في منع اسرائيل من مغامرة ايرانية تكمّل مغامرة بوش العراقية.
وفي هذا السياق قد يكون ثمة توزيع للعمل بين واشنطن وتل أبيب خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حيث تتولى الأولى الاشتباك مع سوريا من البوابة العراقية وتتولى الثانية استغلال الفوضى العالمية لتوجيه ضربة لايران كان حاجزها الأول سابقاً عدم التسبّب في فوضى عالمية.
النهار