الغارة الأميركية
عبد الله إسكندر
لم تكن القيادة العسكرية الاميركية مهتمة بمن سيكون في مرمى نيران غاراتها داخل الأراضي السورية. واذا كان التبرير شبه الرسمي الاميركي للغارة التي تخرق علناً للمرة الأولى منذ غزو العراق السيادة السورية، بأنها تستهدف «مهرباً» مهماً للمقاتلين الاجانب الى العراق حيث ينفذون عمليات ارهابية، فإن ذلك يعني ان القيادة الاميركية تعتبر ان هؤلاء المقاتلين ازدادوا قوة ونشاطا بما قد يطيح ما تعتبره هذه القيادة انجازات في العراق، وان هذا التهديد بلغ حداً يستدعي المغامرة بغارة داخل الأراضي السورية على هذا النحو. وهذا ما يتناقض مع كل ما أعلنته واشنطن عن نجاح استراتيجيتها الجديدة في العراق، ومع تسليم مزيد من المناطق الى القوات العراقية، ومع ما يلاحظ من تراجع في حدة العمليات الانتحارية. ويتناقض خصوصاً مع الكلام الاميركي الاخير عن ملاحظة تراجع عبور المقاتلين عبر الحدود السورية، اي زيادة التعاون السوري، عموماً، في هذا المجال.
من جانب آخر، تعطي هذه الغارة حجة اضافية للعراقيين المتشددين في مفاوضات الاتفاق الامني مع الولايات المتحدة. اذ، في ذروة المحادثات على البنود المختلف عليها ومنها تحديداً حق قيام القوات الاميركية بعمليات في دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، تتعزز المخاوف من ان يكون هذا البند حجة لمزيد من التدخل العسكري الاميركي وفق اجندة تخدم المصلحة الاميركية، وليس مصلحة الامن والسلم في العراق ودول المنطقة. وتاليا ستزيد الغارة من الضغط على الحكومة العراقية، خصوصا من ايران وسورية، اللتين تخشيان تحول هذا البند في الاتفاق الى تهديد مستمر لهما.
وهذا ما سيزيد تعقيد هذه المفاوضات بدل تسهيلها، علما ان الادارة الاميركية تستعجل التوصل الى الاتفاق الامني مع العراق قبل نهاية السنة، وذلك من اجل ان يحصل التوقيع قبل نهاية ولاية ادارة الرئيس جورج بوش، ومن اجل ان تتفادى هذه الادارة العودة مجددا الى الامم المتحدة لتمديد الوضع القانوني الحالي لقوات الاحتلال، مع ما يمكن ان ينطوي عليه ذلك من مفاوضات صعبة، خصوصا بعد ازمة القوقاز والمواقف الروسية والصينية التي تبتعد اكثر فاكثر عن الموقف الاميركي مع نهاية عهد الادارة الحالية.
الى ذلك، جاءت الغارة التي يعتبرها المحللون العسكريون استراتيجية جديدة في التعامل مع سورية، الى حد ان بعضهم شبهها بتلك المستخدمة في باكستان انطلاقا من افغانستان. لكن هذا التشبيه لا يستقيم ليس بفعل الاختلافات الكثيرة بين الوضعين الافغاني – الباكستاني والعراقي – السوري فحسب، وانما ايضا لأن مثل هذه الاستراتيجية المطبقة منذ فترة طويلة في باكستان ولم تظهر جدوى عملية في محاربة «طالبان» داخل افغانستان، تأتي في نهاية ادارة بوش، وعشية احتمال تغيرات كبيرة في القيادة الاميركية تفرض، بحسب البرامج المعلنة للمرشحين الى الرئاسة وتطلعات غالبية الرأي العام الاميركي، إعادة تقويم للوضع في العراق وفي التعامل مع الجوار.
يبقى ان هذه السابقة الاميركية في الاغارة داخل الاراضي السورية بحجة وقف تهريب المقاتلين قد تفتح بابا آخر لا علاقة للعراق به، وانما يتناول الاتهامات لسورية باستمرار تهريب السلاح الى حلفائها في لبنان خصوصا «حزب الله». وهذا ما شكل صلب شكوى وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك لدى لقائه قبل ايام قائد قوات «يونيفيل» الجنرال الايطالي غراتسيانو، ضد سورية واتهامها بخرق مستمر للقرار الدولي الـ1701. واذا سمحت الولايات المتحدة لنفسها بتنفيذ عملية داخل سورية من اجل منع تهريب مقاتلين من دون سند قانوني او عملاني، قد تجد اسرائيل ان ذلك يبرر تحركها من اجل فرض احترام قرار دولي.
*نقلا عن جريدة “الحياة” اللندنية