“شقيقة” أخرى للحرب الاستباقية
سعد محيو
هل تدشن الغارة – الإنزال الأمريكية على سوريا استراتيجية عسكرية أمريكية أكثر جذرية حتى من شقيقاتها “الحرب الاستباقية” و”الحرب الوقائية” و”محور الشر”؟
يبدو أن الأمر سيكون كذلك. فيوم الثلاثاء الماضي أصدر روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي بياناً أعلن فيه أن الولايات المتحدة ستحمّل أي دولة أو مجموعة “المسؤولية الكاملة” عن مساعدة الإرهابيين على حيازة الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية. ثم تلاه مسؤولون أمريكيون آخرون ليوضحوا أن الغارة الأمريكية على سوريا جاءت وفق هذا المبدأ الجديد نفسه الذي أشار إليه غيتس، والذي يمكن أن يُطلق عليه “مبدأ الدفاع الاستباقي عن النفس”.
أضاف المسؤولون، أن هذا المبدأ يبرر توجيه ضربات تقليدية إلى أهداف عسكرية داخل دولة ذات سيادة من دون موافقتها، إذا لم تكن هذه الدولة قادرة على وقف التهديدات الإرهابية بنفسها.
باكستان شهدت قبل شهرين التطبيقات الأولى لهذه الاستراتيجية حين باشرت القوات الأمريكية القيام بغارات جوية كثيفة وعمليات إنزال كوماندوز في المناطق الحدودية القبلية الباكستانية من دون استئذان سلطات إسلام آباد. والآن جاء دور سوريا وقد يأتي بعدها دور إيران أو أي دولة تعتبر أمريكا أنها لا تقوم بما تطلبه منها في حربها العالمية ضد “الإرهاب”.
وهذا بالطبع منطق خطر، على الرغم من أن إدارة بوش تدّعي أنها حصلت على تفويض قانوني من الدوائر القضائية الأمريكية، أيضاً تحت شعار “الدفاع عن النفس”.
العديد من المحللين يعتقدون أن إدارة بوش الجمهورية أرادت من هذه الاستراتيجية العنيفة الجديدة إلزام الإدارة الديمقراطية الجديدة (في حال فوز باراك أوباما بالرئاسة) بتبنيها بالكامل، طالما أنها تحظى بدعم البنتاغون والأجهزة الأمنية المختصة. وهذا من شأنه تمكين الجمهوريين في الكونجرس من إحباط أي تغييرات ديمقراطية جذرية في السياسة الخارجية قد يقوم أوباما بها.
لكن، هل ستقبل دول العالم بهذا المبدأ الجديد والخطر، والذي يدمج في الواقع بين كل من الإرهاب التقليدي والإرهاب غير التقليدي، وبين العمل العسكري الكلاسيكي وغير الكلاسيكي؟
باكستان سبق لها أن هددت بأنها لن تتحمل أكثر هذه الخروق لسيادتها. وسوريا فعلت الأمر نفسه. ولن تلبث دول أخرى عرضة لهذا الخطر أن تحذو حذوهما، الأمر الذي قد يحوّل العالم برمته بعد حين إلى ساحة قتال شاملة.
فهل هذا ما تريد إدارة بوش أن تراه قبل رحيلها؟
حتماً. إذ يجب ألا ننسى هنا أن بوش نفسه أعلن في 15أكتوبر/ تشرين الأول 2006 أنه سيحمّل أي دولة أو مجموعة “المسؤولية الكاملة” عن دعم الإرهاب أو مساعدته على الحصول على أسلحة غير تقليدية. وهذا يتطابق حرفاً بحرف مع ما قاله غيتس، ومع ما فعلته القوات الأمريكية في سوريا وباكستان، وما قد تفعله قريباً في دول ومناطق أخرى.
إنه جورج بوش الذي سيبقى جورج بوش، حتى الرمق الأخير من اللحظة الأخيرة من إقامته في البيت الأبيض.