دمشق في خدمة واشنطن
عدنان حسين
في لحظة حاسمة قدّمت سورية ذريعة جديدة وحجّة قوية للعراقيين وغير العراقيين المتحمسين لعقد اتفاقية عسكرية ـ أمنية مع الولايات المتحدة، فإعلان دمشق وقف الاتصالات، والتنسيق مع الحكومة العراقية، وتفكيك منشآت مراقبة الحدود، يؤكد ان أمن العراق مهدد في الدرجة الاولى من جيرانه، الأشقاء والأغراب سواء بسواء، وانه ليس من الحكمة أن يطمئن العراقيون الى وعود هؤلاء الجيران.
الإجراء السوري جاء رداً على الهجوم الاميركي على ما وصفتها الولايات المتحدة بأنها قاعدة على الحدود السورية ـ العراقية للإرهابيين الذين يقومون بأعمال عنف داخل العراق. والسؤال : ما ذنب العراق وحكومته ما دام الهجوم أميركيا مئة في المئة؟
قبل سنة ونيّف (بالتحديد في 6 سبتمبر أيلول 2007) شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على ما وصفتها إسرائيل بأنها منشأة نووية سورية قرب الحدود مع العراق في الشمال ( دمشق قالت: إنها منشأة عسكرية قديمة متروكة). بالطبع دمشق نددت بأقوى العبارات بالغارة الإسرائيلية التي وصفتها بأنها عدوان أثيم، وانتهاك سافر للسيادة الوطنية، لكن هذا كله لم يدفع دمشق الى تفكيك منشآت المراقبة السورية على خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هضبة الجولان المحتلة.. هذه المنشآت التي أمّنت رقابة سورية فعالة على مدى عقود من الزمن، لم يستطع معها أي فدائي فلسطيني، أو سوري، ان يخترق خط إطلاق النار في اتجاه القوات الإسرائيلية التي تحتل الجولان.
أكثر من هذا، إن الغارة الإسرائلية لم تمنع دمشق من التجاوب مع المساعي التركية لاستئناف المفاوضات بين سورية وإسرائيل، فقبل أن يدور الحول على الغارة كانت المفاوضات المتوقفة منذ العام 2000 قد استؤنفت في أنقرة، وعقد منها حتى الآن أربع جولات، والخامسة تنتظر تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
عدا عدم حصافته، فإن الإجراء السوري ضد العراق بعد الغارة الأميركية (نعم الأميركية وليست العراقية) يفتقر الى المنطق أيضا، فالأولى أن توقف دمشق اتصالاتها مع واشنطن وليس مع بغداد.(الحكومة السورية أغلقت المركز الثقافي الأميركي والمدرسة الأميركية في دمشق، وهما مؤسستان يُفيد منهما السوريون لتعلم اللغة الانكليزية استعدادا للبحث في الخارج عن فرص عمل كريمة ومجزية لا تتوافر لهم داخل بلادهم).
حقيقة الأمر أن دمشق وجدت في الغارة الأميركية حجة وذريعة للتنصل من التزاماتها حيال أمن العراق بتطبيق إجراءات تحول دون اتخاذ الإرهابيين من فلول نظام صدام، ومن عناصر «القاعدة»، سوريةقاعدة لهم لزعزعة الأمن في العراق وتعويق قيام نظام ديمقراطي راسخ تخشاه دمشق وصاحبتها طهران.
ومن المفترض أن يكون الإجراء السوري، على الرغم من كل شيء، مفيدا للعراق بأن يعوّل على قدراته الذاتية في تأمين حدوده وعدم الاتكال على أحد من الخارج، «شقيقا» كان كسورية أم «صديقا» كإيران.
(أوان الكويتية) ، الاحد 2 تشرين الثاني 2008