احتمالات عملية السكريّة
كامران قره داغي
لاحظ كاتب عربي، في معرض دفاعه عن سورية وادانته للعملية العسكرية الأميركية الأخيرة في السكريّة السورية القريبة من الحدود العراقية، أن دمشق تملك اوراقا يمكن، إذا أرادت استخدامها، أن تؤدي الى «كارثة» في العراق. إذ يكفي، وفقا لهذا الكاتب، ان «يخفف» السوريون تعاونهم لضبط الحدود السورية – العراقية و«يغضوا النظر» عن تهريب المسلحين والأسلحة وايقاف التنسيق الأمني مع العراقيين والأميركيين حتى تقع الكارثة كما كان يحصل في السابق.
ماذا كان يحصل في السابق؟ الكاتب العربي نفسه كشف أنه بفضل الموقف السوري آنذاك، فإن «المقاومة» كانت تنفذ أكثر من 1000 عملية شهريا ضد القوات الأميركية، بينما نفذت «القاعدة» 700 عملية انتحارية في فترة زمنية لم تزد عن ثلاث سنوات. (لعلم الكاتب العربي، الرقم الحقيقي هو 1000 عملية انتحارية شهريا، فيما الضحايا الحقيقيون للعمليات عموما في تلك الفترة كانوا من العراقيين المدنيين الأبرياء بنسبة 48 ضحية عراقية مقابل ضحية واحدة فقط من الجنود الاميركيين!).
وهـنا تحديدا لب المشكلة في العلاقة بين العراق وســـورية. فطوال تلك السنوات الثلاث عانى العراق ما عاناه من قتل وتفجيرات وتهجير وترحيل وتطهير عرقي ونزاعات مسلحة طائفية. ومن السذاجة وتبسيط الأمور القول بأن كل هذا حدث من دون أن يتحمل العراقيون أنفـــسهم مسؤولية رئيسية عنه. لكن يمكن بالتأكيد القول من دون تردد إن «ألأشقاء» يتحملون مـــسؤولية كبيرة عن تسلل الأسلحة والارهابيين من كل لون وجنس عبر الحدود، خصوصا الحدود السورية – العراقية. ومؤكد ان التسلل الارهابي من سورية الى العراق انحسر كثيرا منذ اكثر من سنة، لكن الأكيد ايضا أن الفضل الرئيسي في ذلك ليس سببه الوحيد «التعاون» السوري، بل يعود في الدرجة الرئيسية الى تحسن الوضع الأمني عموما نتيجة لتطور ملحوظ في اداء القوات المسلحة الوطنية وحزم في مواجهة الميليشيات وانتهاج سياسة عسكرية اميركية مختلفة وتبني ظواهر جديدة مثل «الصحوات» ومجالس الاسناد وهلم جرّا. كل ذلك الى جانب تطورات سياسية ايجابية عموما في اتجاه المصالحات الوطنية.
عملية السكرية، بحسب المعلومات المسربة أميركياً، ادت الى قتل الاردني بدران تركي هيشان المزيدي ولقبه «أبو غادية» الذي اكدت المعلومات ذاتها انه كان يدير من سورية واحدا من اكبر وانشط شبكات المقاتلين الاجانب في العراق. وقد أكد هذه المعلومات أيضا رئيس مجلس انقاذ الانبار علي حاتم السليمان المعترف به في المحافظة كبيرا لعشائر الدليم. قال انه حقق شخصيا في الامر وتبين له وجود مسلحين في المنطقة التي ضربتها القوة الاميركية بعدما ادركوا ان الجانب السوري لم يتخذ الاجراءات اللازمة لمنع التسلل الى العراق على رغم الطلبات المتكررة من الجانبين العراقي والأميركي.
ولعل من المفيد التذكير بخلفية عاجلة للشكاوى التي ظل العراقيون يقدمونها الى الجانب السوري طوال أكثر من ثلاث سنوات بعد اطاحة النظام السابق وكانت سببا في تسميم العلاقات بين بغداد ودمشق. هذه الشكاوى لم تكن تتعلق بتسلل المسلحين من سورية الى العراق فحسب، بل ايضا في وجود القيادات المناهضة للحكم العراقي الجديد في الاراضي السورية والتسهيلات التي كانت تتمتع بها هذه القيادات لممارسة نشاطاتها السياسية والعسكرية ضد العراق والقوات الاميركية فيه.
كذلك من الانصاف الاشارة الى الجهود الكثيرة التي بذلها الجانب العراقي خلال تلك الفترة لحمل الجانب السوري على منع النشاطات المعادية في أراضيه وتسليم عدد من المطلوبين وضبط الحدود لمنع تسلل المقاتلين. وفي اطار تلك الجهود ارسلت بغداد وفودا امنية وسياسية وفنية عدة الى دمشق وزودتها معلومات موثقة لا تقبل النقاش عن النشاطات المعادية مقرونة بصور وشرائط فيديو وعناوين وارقام هواتف في سورية للنشطاء المعادين للحكم العراق الجديد، لكن دمشق ظلت تنفيها، بينما بغداد لم تجرؤ على كشفها علنا. أكثر من هذا قام اكبر المسؤولين العراقيين، في مقدمهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، بزيارات الى دمشق في مساع لاقناعها بالتعاون لوقف النشاطات المعادية.
ويشار هنا الى ان التحركات العراقية في اتجاه دمشق في تلك الفترة ادت احيانا الى توترات واحراجات سياسية داخلية لأن بعض المسؤولين كان يتخذ حيالها مواقف ودية اكثر من اللزوم على الضد من الموقف الحكومي الرسمي.
يًقال هذا كله مع الاخذ في الاعتبار التداعيات المختلفة لعملية السكرية، خصوصا لجهة توقيتها، تحديدا لأنها تمت في هذا الوقت الحرج الذي يُقرر فيه مصير الاتفاق الأمني بين العراق والولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن ان تستغله جهات داخل العراق وفي جواره لتصعيد مناهضتها للاتفاق الامني بالاشارة الى ان عملية السكرية دليل على ان اميركا ستستخدم الاتفاق للقيام بعمليات عسكرية ضد ايران او سورية.
في المقابل، هناك القائلون بأن عملية السكرية تحديدا تؤكد ضرورة توقيع الاتفاق الذي يمنع اميركا من الانفراد بالقرارات العسكرية ويلزمها الشراكة مع الجانب العراقي في صنع هذه القرارات.
النائب عن القائمة العراقية عزة الشابندر رسم سيناريو مظلما في حال لم يوقع العراق على الاتفاق مع اميركا. فهي ستستخدم الفيتو ضد تمديد التفويض الدولي ثم تبدأ بسحب قواتها الامر الذي سيتسغرق ستة اشهر تغلق خلالها العراق برا وجوا وبحرا لاتمام عملية الانسحاب و»ايجاد وضع سياسي داخله ينسجم مع التوجه الاميركي في الشرق الاوسط»، بحسب التعبير الذي استخدمه الشابندر كي لا يقول «انقلاب عسكري».
قصارى الكلام، نختم بأن العراق اذا اراد ان يمنع في المستقبل أحداثا مثل العملية الأميركية في السكرية السورية، او ربما في (…) الايرانية، فإنه لن يستطيع ذلك طالما ظل مقيدا بالتفويض الدولي. لكن الأخطر من ذلك كله ان حدوده مع سورية وغير سورية ستكون من دون اتفاق مع اميركا، وبالتالي من دون تفويض دولي، بابا مفتوحا على مصراعيه أمام كل من يسعى الى تقويض الحكم، بل تقويض الحياة، فيه.
الحياة – 02/11/08