حسين العوداتصفحات سورية

رسائل سياسية بأدوات عسكرية

null
حسين العودات
إن قيام الجيش الأميركي بعدوان عسكري على قرية (السكرية) داخل الحدود السورية ليس عملية عسكرية صرفة تتعلق بتسديد ضربات استباقية للمقاومة العراقية أو حسب التسمية الأميركية (للمنظمات الإرهابية)، بل يتجاوز هذا العدوان صفته العسكرية الطارئة أو القرار العسكري الميداني باعتباره عدواناً على بلد مستقل ذي سيادة يحتاج بالضرورة لموافقة سياسية من أعلى قيادات الإدارة الأميركية.
وبالتالي فله أهداف أخرى ووظائف أخرى أكثر من عملية ضرب (الإرهابيين) أو إفشال عملياتهم قبل حدوثها، وينبغي وضعه في إطار الظروف السياسية الإقليمية القائمة والمستجدة مع أخذ مصالح الحزب الجمهوري داخل الولايات المتحدة بعين الاعتبار.
ولعل هذا الافتراض هو الذي جعل المحللين يذهبون بعيداً في تفسير هذا العدوان وتلمس أهدافه ويضعونه في إطار سياسي أشمل من أية عملية عسكرية طارئة أو عابرة أمر بها قائد عسكري من قادة الجيش الأميركي في العراق.
لقد فشلت السياسة الأميركية في فرض استمرار عزل سوريا، أو تشديد العقوبات عليها، أو زيادة برودة علاقاتها التي كانت مع بلدان أوروبا منذ عام 2005 بعد التجديد للرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود ومن ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وانسحاب القوات العسكرية السورية من لبنان.
وتدهور العلاقات السورية مع فرنسا ومع بقية الدول الأوروبية وقبل ذلك مع الإدارة الأميركية، ومحاولة هذه الدول عزل سوريا ونبذها والتحريض عليها، ونقد تعاونها الاستراتيجي مع إيران واتهامها بزعزعة الاستقرار اللبناني ودعم التطرف الفلسطيني والمقاومة العراقية.
بدا فشل السياسة الأميركية واضحاً منذ مطلع العام الحالي، بعد أن غيرت سوريا جوهر سياستها الإقليمية واستجابت لرهان الرئيس الفرنسي ساركوزي القاضي بجعل السياسة السورية أكثر اعتدالاً ومسالمة من خلال الحوار والتعاون لا من خلال التهديد والعزل والعقوبات، وهكذا وافقت سوريا على إجراءات داخل لبنان (انتخاب الرئيس، تشكيل حكومة، تعيين قائد للجيش.. وغير ذلك).
كما قبلت تبادل التمثيل الدبلوماسي معه ومبدأ ترسيم الحدود، في الوقت الذي ضغطت فيه على بعض منظمات المقاومة الفلسطينية (المتطرفة) لتقبل التهدئة كأحد السبل لفك الحصار على غزة ولتنشيط عملية السلام، واستقبلت سوريا ممثلين لمعظم التيارات السياسية والاجتماعية العراقية، وباشرت محادثات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية.
وبدا واضحاً أنها اتبعت سياسة أكثر اعتدالاً تؤهلها لبدء علاقات جديدة مع الدول الأوروبية وتسد الذرائع أمام سياسة الإدارة الأميركية، وهذا ما شجع الدول الأوروبية على قبول تجديد وتطوير علاقاتها مع سوريا بخطوات متسارعة ما كان أحد يتوقع حصولها خلال مدة قصيرة، وتنفست السياسة السورية الصعداء في ضوء ذلك، وبدأت زيارات المسؤولين الأوروبيين لسوريا تزداد كثافة (والعكس أيضاً).
وأخذت سوريا تشعر أنها بدأت تستعيد دورها الإقليمي الذي كادت أن تفقده، وشكل هذا فشلاً ذريعاً للسياسة الأميركية لابد من وضعه بعين الاعتبار عند تلمس أهداف العدوان العسكري الذي حدث يوم الأحد الماضي، ويستنتج بعض المراقبين في ضوء ذلك أن العدوان كان يهدف لخلط الأوراق من جديد، فهو رسالة موجهة إلى سوريا تقول بأن الذراع العسكرية الأميركية مازالت طويلة.
وأن السياسة الأميركية قادرة على الضربة العسكرية واستمرار العقوبات، كما هو رسالة موجهة للأوروبيين أيضاً تذكرهم بأن سوريا مازالت حسب وجهة النظر الأميركية عضو في (محور الشر) وعليهم بالتالي عدم التسرع في تجديد علاقاتهم معها وفك عزلتها وقبولها عضواً في اتفاقية الشراكة الأوروبية.
كما يتضمن العدوان رسالة إلى كل قوى المنطقة دولاً وكيانات سياسية بأن السياسة الأميركية تجاه سوريا لم تتغير وأن مواقف هذا البلد مازالت مريبة ومتطرفة وتشكل قلقاً وعدم استقرار لدول المنطقة ومجتمعاتها.
من طرف آخر لا ينبغي استبعاد هدف أميركي داخلي من هذا العدوان، وهو أنه أيضاً رسالة داخلية للشعب الأميركي تحاول إقناعه أن أمنه الداخلي يواجه (أخطاراً) في أفغانستان وباكستان و(أخطاراً) أخرى في العراق وسوريا، وبالتالي فإن السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي لابد أن يحتلا اهتماماً كبيراً من اهتمامات الناخب الأميركي عند اختيار مرشحه .
وأن يقتنع مجدداً أن الحاجة ماسة لانتخاب مرشح الحزب الجمهوري (جون ماكين) باعتباره الأقدر على حماية الأمن وتطبيق سياسة خارجية أميركية أكثر صواباً ونفعاً للشعب الأميركي ومصالحه، وعليه فإن هذا العدوان مع الاعتداءات المماثلة على باكستان يحاول تأكيد وجود بؤر توتر خطرة على الأمن الأميركي، رغم الفارق بين الحال الأفغاني ـ الباكستاني والحال العراقي ـ السوري.
ربما ستوكل السياسة السورية إلى الدول الأوروبية إجراء الحوار مع الولايات المتحدة حول هذا العدوان من أجل عدم تكراره، وهي لم تلجأ إلى تقديم شكوى لمجلس الأمن لأن تضخيم الأمر قد يخدم سياسة إدارة الرئيس بوش، أما ما يتعلق بالعراق .
وخاصة بعد أن برر الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية هذا العدوان (بأنه رد على عمليات إرهابية انطلقت من سوريا واستهدفت إرهابيين قتلوا أفراد شرطة عراقيين) فيبدو أنه سيكون خاسراً وموقفه حرجاً إذ ربما ستعمل الحكومة السورية على بذل الجهود لتحقيق تباطؤ عقد اجتماعات اللجان المشتركة والاجتماعات الأمنية الدورية لدول جوار العراق.
البيان الاماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى