ما يحدث في لبنان

لقاء الاعتراف المتبادل

حسام عيتاني
تدفع المراوحة السائدة في الحياة السياسية اللبنانية الى تعليق آمال كبار على لقاء الأمين العام لحزب الله وزعيم تيار المستقبل. البحث عن أسباب للتفاؤل في هذا المناخ، هو بذاته إنجاز بالنظر الى الأجواء المحيطة والملبدة، على الرغم من ضرورة عدم الانجراف في تزويق الطموحات وتعظيمها.
ولعل الصورة التي وزعت بعد الاجتماع بين السيد حسن نصر الله والنائب سعد الحريري تساهم في التخفيف من التشنج الذي يسير، على ما يبدو، في دوائر، حيث لا يختفي من منطقة حتى يعود للظهور في أخرى. وقد بات من الملح إنهاء ظاهرة الإشكالات الليلية والسجالات الإعلامية المباشرة وغير المباشرة التي كلفت الكثير من الخسائر بعضها غير قابل للتعويض، خصوصا من ضحايا الاشتباكات.
غني عن البيان أن الأعوام الثلاثة الماضية شكلت اختبارا قاسيا للعلاقة بين كتلتين طائفيتين كبيرتين في لبنان، لكل منهما علاقاته الإقليمية والدولية التي استنفر وأدى تدخلها في الصراع السياسي المحلي وتداخل العنصر الإقليمي فيه الى وضع لبنان على شفا الانحدار نحو حرب أهلية مفتوحة طوال أشهر.
غير أن الأهم في خلاصات تجربة الصراع بين حزب الله وتيار المستقبل، أو بالأحرى بين السنّة والشيعة في لبنان، تكمن في حقيقتين: الأولى أن الجانبين وإن لم يتملك أي منهما للحظة وهم إلغاء الآخر بل ساورتهما رغبات تطويقه واختراقه وتطويعه، أقرّا منذ اتفاق الدوحة، باستحالة تجاوز المواقع التي يشغلها كل منهما في »شارع« طائفته. بكلمات أخرى، اعترفا »بأصالة« تمثيل حزب الله لأجزاء واسعة من الطائفة الشيعية وربما لحساسية القسم الأعظم من الطائفة حيال جملة من المسائل الداخلية والخارجية. الأمر ذاته ينطبق على واقعية تمثيل تيار المستقبل لمزاج واسع الانتشار بين أهل السنّة في لبنان.
والأرجح أن الجانبين ورعاتهما الإقليميين لم يتخلوا تماما عن محاولات تعزيز »رؤوس الجسور« في الطائفة المقابلة، إلا أن المساعي هذه تسير نحو الانحسار أو ربما نحو الابتعاد عن الأضواء.
الحقيقة الثانية تتلخص في أن أحداث الأعوام الثلاثة الماضية قد رسمت حدودا جديدة بين الطائفتين، كانت مشوشة وغير واضحة في المراحل السابقة من التاريخ اللبناني المعاصر، خصوصا في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية عندما ساد اعتقاد بوحدة »المسار والمصير« السني والشيعي ـ بحسب عبارة استخدمت في غير هذا الموضع ـ ليتبين في الأعوام اللاحقة وجود فوارق عميقة بين وجهتين ورأيين في الحرب والسلم، أمكن التوفيق بينهما في اتفاق الطائف الذي شهدت الأعوام اللاحقة له تسليما أو ما يشبه التسليم عند قادة الطائفتين بالرعاية السورية ودورها بل عبئها.
أنهت مجريات ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري التسليم هذا وطرحت بقوة، عززها انفجار الصراع الطائفي المكشوف في العراق، مسألة حقوق الطائفتين السنية والشيعية في السلطة، وهي مسألة لا تخلو من جدة تشبه في العديد من الأوجه عملية طلاق أنهى زواجا طويلا. لقد اختفى مع خروج القوات السورية السند السياسي للقوة الشيعية الأكبر وبات على هذه أن تدير مصالحها بنفسها. كما وجد السنّة أنفسهم، وقد عز النصير الداخلي على الاقل، في حالة تحالف موضوعي مع قوى ما كان يخطر لهم ببال أنهم سيمدون لها اليد.
وكرّست التجارب المريرة في الأعوام الماضية »استقلال« الطائفتين المسلمتين الكبيرتين بعضهما عن بعض، استقلالا ناجزا يضاهي استقلال كل الطوائف الاخرى بعضها عن بعض.
بهذا المعنى، يمكن وضع لقاء نصر الله ـ الحريري في إطاره كجهد لبناء علاقة بين كيانين يمكن أن تجمع بينهما مصالح عامة (من النوع الذي عبر عنه البيان الصادر بعد الاجتماع)، من دون أن يحمل أي أبعاد قد تثير خشية هذا الحليف أو ذاك المتفاهم. خشية ترتبط بحسابات الانتخابات والمكاسب المأمولة منها.
وربما يصح إدراج اللقاء في إطار المصالحات على الساحة الإسلامية والاستنتاج أن تقدماً يتحقق هنا يزيد عما يرجى حصوله على الساحة المسيحية، إلا أن التوصيف الأقرب الى الواقع هو وضع اجتماع امس الاول في سياق الاعتراف المتبادل بوجود اختلاف جذري بين جانبين يجب أن يتقنا إدارة العلاقة بينهما ضمن الحد الأدنى من الخسائر، بعدما اختبرا نقاط القوة والضعف عند الطرف المقابل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى