كرسي الاعتراف ينتظر سليمان في الفاتيكان… فأي درع تثبيت سيعود به؟
جورج علم
التحرك المصري يطرح تساؤلات عن المستقبل تصل حدود الارتياب
وكأن السباق بات محموماً هذه المرّة ما بين طهران والقاهرة، وهناك نوع من المنافسة على استقبال أكبر عدد من الفعاليات السياسيّة تحت شعارات متشابهة تكاد تكون واحدة: عدم التدخل في شؤون لبنان الداخليّة، ومساعدة اللبنانييّن على معالجة شؤونهم بأنفسهم، والتمني كل الخير والاستقرار والازدهار لهذا البلد وشعبه؟!… وإذ بالنتائج غالبا ما تأتي مغايرة للأمنيات، الى حدّ بات اللبناني يضع يده على قلبه في كلّ مرّة يأخذ فيها علما بوعود جديدة، او حركة موفدين!.
هناك من يقول في الحلقات الدبلوماسيّة الضيقة إن عاملين على الأقل يدفعان بالدول الى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، والتمسّك بكامل الأوراق الداخليّة والخارجيّة بانتظار انقضاء هذه المرحلة الانتقاليّة، ووضوح الرؤية، وانقشاع التطورات والمواقف منها:
أولها العامل الاقتصادي ـ المالي ـ النقدي، وأين ستستقر هذه »التسونامي« العاتية التي تضرب بيوت المال في العالم، وكيف؟، وما هي المضاعفات، لا بل ما هو الثمن الذي قد يتوجب على كلّ دولة ان تدفعه لإرساء أسس المعالجات عندما يحين أوانها.
أما العامل الثاني فهو انتظار نتائج الانتخابات الرئاسيّة الاميركيّة، ثم انتظار معرفة جديد هذه الإدارة الاميركيّة الجديدة حيال الشرق الاوسط، وملفاته المعقّدة.
ويؤكد بعض من التقى نائب رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عمر القناوي ان المرحلة تستدعي التهدئة وصولاً الى الهدوء والتروي، من دون إغفال اليقظة والانتباه الصارم لأن في بعض الرسائل التي يحملها نوع من التحذير المشوب بالقلق من الارهاب الذي يمكن ان يضرب في أي وقت وفي أي مكان، من دون إهمال احتمال عودة الاغتيالات، لأن إحدى مشاكل لبنان أن أجواءه مفتوحة وحدوده مفتوحة وساحته مفتوحة، فيما أجواء وحدود وساحات الآخرين مقفلة وبإحكام.
ولا احد يستطيع ان ينكر او يتنكر ما لمصر من تقدير واحترام، وما لها من دور وثقل إن في لبنان او في العالم العربي، ومع ذلك هناك الكثير من الأسئلة التي تحاصر مهمّة القناوي، إن لم تكن في العلن، ففي الكواليس السياسيّة والدبلوماسيّة، الى حدّ القول بأن الارتياب موجود وعند بعض اطراف الموالاة كما عند بعض أطراف المعارضة حول التوقيت والغاية والهدف، وماذا عند القاهرة؟،وهل لديها ما يقلق من المستقبل الآتي والتحديات التي قد ترخي بكلكلها على أكتاف اللبنانيين بعدما قوّصتها الازمات المتتالية الواحدة تلو الاخرى؟.
وخارج هذا الاحتمال، لا شيء يبررّ زيارة القناوي وبهذا التوقيت، لأن الغالبيّة في قوى الموالاة هي اقرب الى السعوديّة منها الى مصر، والبعض منها يسعى الى ان يكون أقرب الى الدعم السعودي من الدعم المصري على أبواب الانتخابات النيابيّة حتى ولو كانت مهمّة القناوي منسّقة بشكل جيد ما بين القاهرة والرياض. فيما المعارضة لا تجد غضاضة في الانفتاح على القاهرة شرط ألاّ يكون ذلك على حساب صداقاتها او تحالفاتها مع سوريا او إيران او الاثنين معاً.
وهناك أيضا ما يضاعف من منسوب الحذر إذا ما أكدت الايام صحته، وهو ان القاهرة منشغلة بملف الانتخابات النيابية وتخشى ان تجتاح المعارضة غالبية المقاعد في المجلس النيابي الجديد، وتقدم بعد ذلك على تعديل الدستور، وتعود الصلاحيات التي انتزعت الى رئاسة الجمهوريّة، وتتعزّز حصّة »الكوتا« الشيعيّة في كعكة السلطة والحكم، من خلال استحداث مناصب جديدة، او توسيع الملاك المؤسساتي وفق مقتضيات التوازن المحكوم باتفاق الطائف.
بالمقابل لا يحتاج الدور الايراني في لبنان الى مترجم فارسي لفقه اغراضه ومكنوناته، فهو مقروء جيدا من قبل فريق ١٤ آذار، ومعروفة أبعاده وأهدافه انطلاقا من الحيثيّة التي يمثلها »حزب الله« على الساحة بحضوره العسكري ـالمقاوم، والأمنيـ الاستخباراتي، والسياسي، والتنظيمي، والاداري، والماليـ الاقتصادي والخدماتي.
ولا يوجد عند المؤتمنين على مصالح الغرب الاوروبي والاميركي في بيروت قراءة أخرى مختلفة كثيرا عن هذه القراءة للدور الايراني، سوى الإشارة الى عاملين اثنين سهّلا لقاء رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري مع الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصر الله: مناخ التروي والهدوء والانتظار المسيطر على الساحة الاقليميّة، الذي يفترض ان ينعكس على الساحة الداخليّة المتوترة المتشنجة والحبلى بالحساسيات والمذهبيات والكيديات. وأيضا »الود« الذي لم ينقطع خيطه بعدُ بين السعودية وإيران.
ومع انتظار المزيد من الوضوح والانقشاع في ضبابية التحركين المصري والايراني، يشدّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان الرحال الى ايطاليا فالفاتيكان. وفي الهيكليّة الكنسيّة المارونية هناك من يستحضر الماضي عندما كان رئيس الجمهورية وبعيد انتخابه يدشن عهد تحركه الخارجي بزيارة فورية الى الفاتيكان لنيل درع التثبيت المعنوي كونه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي والمؤتمن على ثقافة التنوع والانفتاح وتواصل الرسالات والحضارات ما بين الشرق والغرب عبر دور لبنان الجسر، وصلة الوصل.
وهناك من يستحضر الحاضر بآلامه وآماله في ظل الوجود المسيحي المتقوقع عن حدود الامارات المارونيّة المتناتشة، او المنشغل في التهافت داخل مربعاتها على تقاسم ما تبقى من فتافيت مصالح ومحسوبيات بعد ان كان يحمل لواء الريادة في السياسة والاقتصاد والمال والفكر والثقافة . وهناك من يحاول ان يستحضر المستقبل، وهل يتوج لبنان – كما شاءه السينودس- ملتقى حوار الاديان والحضارات والثقافات، أم أن الغلبة ستكون للتفتيت وفق المشروع الإسرائيلي؟!.
عند الرئيس سليمان الكثير ليقوله عندما يدخل الى كرسي الاعتراف مع البابا بعد المرور بمقر البطريرك صفير الذي ينتظره هناك، وقد نجح السفير ناجي ابي عاصي في أن يعد له زيارة مريحة، رغم ان البعض في بيروت يقول: لا يكفي ان يأتي بدرع التثبيت من الفاتيكان، بل بدرع الدعم الفاتيكاني فوق العادة ليجمع أشلاء محسوبيات سياسيّة موزعة على أبواب هذه العاصمة او تلك، ويضع حدوداً وقيوداً لبلد أجواؤه وحدوده وساحته مفتوحة أمام كل طارئ او عابر سبيل؟!.