ما مدى جديّة الخطر الذي يهدّد النفط؟
باتريك سيل
هل يوشك النفط أن يفقد أهميته؟ شهدت الأسابيع الأخيرة هبوطا حاداً في الطلب على النفط بسبب إشارات تنذر بحصول انكماش في البلدان الصناعية الأساسية، إثر فترة اضطراب لم يسبق لها مثيل في الأسواق المالية في العالم.
وتسببت سرعة هبوط الاسعار بصدمة مؤلمة لمنتجي النفط. فأُجبرت كل من المملكة العربية السعودية وإيران والعراق وإيران والامارات العربية المتحدة وروسيا وفنزويلا ونيجيريا والمكسيك وبلدان أخرى على مراجعة موازنتها وتأجيل بعض المشاريع الكبيرة وإعادة التفكير في الاستراتيجيات الخاصة بالنمو وحتى في بعض الحالات في السياسة الخارجية.
ويتساءل الجميع إلى متى ستدوم هذه الأزمة؟ متى سيستعيد الطلب على النفط عافيته؟ يعي منتجو النفط طبعاً أنه تتم مناقشة تغييرات أساسية في سياسات الطاقة في جميع أنحاء العالم وحتى في الولايات المتحدة.
ولطالما دعا باراك أوباما، المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية التي ستجري في الأسبوع المقبل، أميركا الى تحرير نفسها من الاعتماد على النفط المستورد، فيما دعا خصمه الجمهوري جون ماكين أميركا إلى بناء 45 محطة طاقة نووية أولا ومن ثم مئة محطة اخرى.
لكن إشباع رغبة أميركا للنفط ليس سوى طموح على المدى الطويل قد يتحقق بعد 20 أو 30سنة، إذ يعتمد ذلك على التطور التكنولوجي. وفي هذا الوقت، قد يصل الطلب على النفط إلى أعلى مستوياته عندما يتوقف الانكماش. ويجب ألا يشعر منتجو النفط بالقلق رغم أن من المرجح أن يشهدوا سنة أو سنتين صعبتين. ويعتقد معظم الخبراء أن الوقود العضوي سيظل يزوّد حاجة العالم الى الطاقة على مدى العقود القادمة.
أما النظرة إلى المستقبل فقاتمة. في اليابان، هبط حجم استهلاك النفط بنسبة 12 في المئة منذ حوالي سنة. أما في فرنسا، فهبط بنسبة 10 في المئة (يستخدم الناس في باريس الدراجات الهوائية) فيما من المتوقع أن يهبط حجم الاستهلاك في الولايات المتحدة الذي يشكل ربع استهلاك العالم، بنسبة 5 في المئة. وبينما انخفضت مبيعات السيارات، يدعو مصنعو السيارات الأميركيون الحكومة إلى مساعدتهم.
أما نمو الصين الصناعي السريع فيتراجع فيما الطلب على صادراتها يتداعى وبخاصة في الولايات المتحدة. ويجب أن تصبح رغبة الصين المفرطة للنفط خلال السنوات الأخيرة، أكثر اعتدالا حاليا.
تسبب انخفاض الطلب على النفط بانهيار في أسعار النفط. وفي هذا الأسبوع، تم بيع برميل النفط الخام برنت بسعر 60 دولارا بعد أن بلغ 150 دولارا منذ أشهر.
ومنذ فترة كان منتجو النفط ملوك العالم، فقد استفادوا من عائدات النفط الهائلة. وفي العام 2007، حصلوا على حوالي ألف بليون دولار بفضل أسعار النفط المرتفعة وشكّل العام 2008 سنة جيدة باستثناء الربع الأخير منه. ووصف هنري كيسينجر الذي ينتمي إلى جناح اليمين، انتقال الثروة من العالم الصناعي إلى منتجي النفط على أنه ابتزاز غير مقبول.
وفي مقال كتبه في صحيفة «إنترناشينول هيرالد تريبيون» في 16 أيلول (سبتمبر)، زعم «أن المدارس الدينية التي تدعو إلى الجهاد يتم تمويلها من المال المتأتي من النفط». لكن يجب ألا يخاف كيسينجر بعد الآن من منتجي النفط. فعوض أن يتسببوا له بالكوابيس، فهم يعملون على تخفيف مصاريفهم. وبالنسبة إليهم إن النظرة المستقبلية إلى العام 2009 سيئة.
يعتبر صندوق النقد الدولي أن العراق بحاجة إلى أن يصل سعر برميل النفط إلى 110 دولارات في حال أراد أن يعيد بناء صناعته النفطية ويتوصل إلى هدفه في مضاعفة مدخوله الحالي الذي يبلغ مليونين ونصف مليون برميل في اليوم خلال عقد. لكن هذا الحلم يتبخر الآن.
وفي فنزويلا، أعلن هوغو تشافيز أن سعر النفط الذي يتراوح بين 80 و90 دولارا قد يضمن سلامة برامجه الاجتماعية. لكن ذلك يتخطى المستويات الحالية. لكن عليه الآن ربما تقليص خططه الاقتصادية ومساعدته الكثيفة للأصدقاء الخارجيين. وقد يصبح تحدّيه للولايات المتحدة أقل عنفا.
كذلك عمل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على رفع آمال شعبه عبر توزيع المال المتأتي من النفط، وعبر تقديم القروض إلى الفقراء وزيادة حجم الاستيراد. وبغية تمويل هذه الخطوة السخية، أنفق مردود النفط بالكامل إلا أنه جفف صندوق الخزينة في إيران. وهو بحاجة إلى أن يبقى سعر النفط أعلى من 80 دولارا كي يستكمل مساره الحالي. إلا أن منتقدي سياسة التبذير التي اعتمدها، بدأوا يظهرون مقلّصين بالتالي حظوظه لإعادة انتخابه مجددا في السنة المقبلة.
ويعتقد أن موازنة روسيا تقوم على سعر برميل نفط يبلغ 70 دولارا. وإذا بقي السعر أدنى من هذا المستوى لمدة سنة أو سنتين، قد تتأذى روسيا رغم أن اقتصادها مدعوم من صناديق الاستقرار التي تضم حوالي 200 بليون دولار.
تملك دول الخليج احتياطات هائلة لكنها تملك أيضا خطط إنفاق كبيرة. فالانهيار الحاد الأخير في سوق الأسهم في الكويت من جراء الخسائر الهائلة التي مني بها بنك الخليج، ثاني أكبر مصرف في البلد، سيكون بمثابة إنذار لجيران الكويت لما قد يواجهونه لاحقا.
ما هي المخاطر التي تتهدد النفط اذن؟ انها مخاطر مستقبلية. أوروبا تخطط مثلا لإنفاق بليون يورو على البحث عن احتمالات اعتماد تكنولوجيا الهيدروجين. وتخصص المفوضية الأوروبية في بروكسيل نصف هذا المبلغ من أجل مشروع الهيدروجين الذي تشارك فيه 60 شركة فضلا عن مراكز بحث وجامعات. بدأت الطاقة النووية تستعيد عافيتها بسبب المخاوف حول أمن الطاقة وتغير المناخ. فاشترت مثلا شركة الكهرباء الفرنسية «إي دي أف»، شركة «بريتيش إنرجي» في إطار صفقة وصلت إلى 12.5 بليون جنيه إسترليني. فاستحوذت بالتالي على معظم محطات الطاقة النووية التابعة لبريطانيا وعاهدت نفسها أن تستثمر 10 بلايين جنيه إسترليني إضافي لبناء أربع محطات كبيرة جديدة.
وفي خلال السنوات الأخيرة، رأى البعض في الإيثانول المستخرج من الذرة بديلا حيويا للنفط. فتم بناء معامل لتصنيع الإيثانول في الولايات المتحدة، مما ساهم في تآكل ربع محاصيل الذرة في الولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى تخمة ساهمت في تخفيض أسعار الإيثانول. كما أنها ساهمت في رفع أسعار المواد الغذائية في البلدان الفقيرة. لكن بطريقة أو بأخرى، لم يعد أحد متحمسا للإيثانول.
ولا تزال الطاقة الهوائية والمائية والشمسية تشكل فرصة لاستثمارات مهمة في أوروبا وأميركا على غرار السيارات الكهربائية، لكن لم يظهر أي منافس حقيقي للنفط بعد، ومن غير المرجح أن يظهر لمدة عقد أو عقدين. وبالنسبة إلى منتجي النفط، ستعود الأخبار السارة قريبا، وفي المرة التالية، سيعملون بحكمة على ادخار مواردهم النادرة الى اليوم الذي يلوح في الأفق البعيد، عندما يصبح النفط غير ضروري للمجتمعات الصناعية.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الحياة – 31/10/08