استفاقة متأخرة
سميح صعب
في ما تبقى له من ايام في البيت الابيض، يظهر الرئيس جورج بوش اهتماماً مفاجئاً بالمسار الفلسطيني لا يوازيه إلا تجاهله لهذا المسار قبل نحو ثمانية اعوام لدى تسلمه الرئاسة. يومذاك ترك بوش ارييل شارون يسحق الفلسطينيين معتبراً ان الحملة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني جزء من الحرب العالمية التي اعلنها الرئيس الاميركي على الارهاب عقب هجمات 11 ايلول 2001.
وفي عام 2004 أطلق بوش شعار “الحل القائم على دولتين” في ما بات يعرف بعد ذلك بـ”رؤية بوش”. غير ان هذه الرؤية بقيت بلا رافعة تساعد على تجسيدها واقعياً، لأن الرئيس الاميركي كان يعتقد ان انتصاراً عسكرياً في العراق كفيل جعل الفلسطينيين يرضخون للأمر الواقع ويقبلون بأي شىء تعرضه عليهم اسرائيل.
وتعثّر بوش في العراق وغرق في رماله، بينما تحولت القضية الفلسطينية حدثاً منسياً اميركياً، وعجز الاوروبيون عن ملء الفراغ حتى اضطرت الادارة الاميركية الى ان تعقد مؤتمر انابوليس أواخر 2007 لمقايضته بتأييد عربي ولا سيما من اصدقاء اميركا في الحملة الاميركية ضد ايران.
وكانت هذه وظيفة انابوليس غير المعلن عنها، وهي التوصل الى اتفاق سلام فلسطيني-اسرائيلي في غضون سنة، أي قبل انتهاء ولاية بوش في 20 كانون الثاني 2009.
ولكن بعد أكثر من عام على المفاوضات برعاية اميركية، وعلى رغم ثماني زيارات لكوندوليزا رايس ومجىء بوش مرتين الى المنطقة، لم يتحقق شىء في المفاوضات. ليس هذا فحسب، وإنما سارت الامور في اتجاه تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية ورفض كل المسؤولين الاسرائيليين بـ”صقورهم وحمائمهم” طرح موضوع القدس على طاولة المفاوضات، كما رفضوا الحديث في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، الى رفضهم إزالة الكتل الاستيطانية الكبرى التي تحوط القدس. ولم تطلق اسرائيل إلا حفنة قليلة من الاسرى الفلسطينيين الذين يقدّر عددهم بـ 11 الفاً يقبعون في المعتقلات الاسرائيلية. ولم يزل الجيش الاسرائيلي سوى بضعة حواجز في الضفة الغربية. كما لم يشعر الفلسطينيون بان تحسناً قد طرأ على حياتهم بعد انابوليس.
وعلى مدار عام، كانت المفاوضات تدور في حلقة مفرغة بشهادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس فريق مفاوضيه احمد قريع وكل اعضاء الفريق. ولم يستطع الرئيس الفلسطيني اقناع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الذي التقاه مراراً على مدى عام، بالدخول في مفاوضات جدية او باتخاذ خطوات يمكن ان تظهر ان اسرائيل راغبة في السلام مع الفلسطينيين.
ولم تفعل ادارة بوش في هذه الاثناء أي شىء للضغط على اسرائيل كي تسير المفاوضات بخطى اسرع، بحيث يتم التوصل الى اتفاق سلام قبل انتهاء ولاية بوش. لذلك لا يبدو ان الاهتمام الذي يبديه الرئيس الاميركي بموضوع المفاوضات في الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الابيض، مثل استقبال اولمرت مجدداً او ارسال رايس للمشاركة في اجتماع الرباعية في مصر في تشرين الثاني، إلا من قبيل ذر الرماد في العيون.
فاسرائيل في مرحلة انتخابات مبكرة، وأولمرت رئيس حكومة تصريف اعمال لا تستطيع اتخاذ قرارات حاسمة، ناهيك بأن أولمرت عندما كان رئيس حكومة فعلية لم يتخذ قرارات حاسمة، فكيف به اليوم؟ وادارة بوش التي تستعد للرحيل تعرف ذلك جيداً. وهي تدرك انه لم يعد في استطاعتها دفع الامور في اتجاه سلام فلسطيني – اسرائيلي قبل 20 كانون الثاني. ثم ان هذه الادارة نفسها مشكوك في رغبتها الفعلية في التوصل الى سلام عادل يعيد الى الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ويؤمّن لهم إقامة دولتهم المستقلة. ولو كانت هذه الادارة تملك فعلاً رؤية للحلّ لما انتظرت ثماني سنوات كي تتحرك.
انها ادارة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك انها لا تملك رؤية، ليس في الموضوع الفلسطيني فحسب وإنما أيضاً من افغانستان الى العراق فإلى الأعاصير في وول ستريت!
النهار