إسرائيل: هيبة أميركا أولاً
الدعم الاميركي التاريخي لدولة اسرائيل والقائم على شبكة من المصالح المشتركة الراسخة والثابتة جعل من الانتخابات الأميركية حدثاً اسرائيلياً بامتياز وخلق المعادلة التالية: أميركا القوية معناه اسرائيل القوية. من هنا فأي قراءة اسرائيلية لفوز المرشح الديموقراطي باراك اوباما ستنطلق من هنا قبل الدخول في تفاصيل المواقف السياسية للرئيس الجديد. وعلى الرغم من رسوخ الاعتقاد الاسرائيلي بأن الرئيس جورج بوش كان أفضل رئيس أميركي يمكن أن تحظى به اسرائيل؛ إلا أن التدهور الواضح في المكانة الدولية للولايات المتحدة، وإخفاقات إدارة الرئيس بوش في حربي افغانستان والعراق كانت لها انعكاساتها السلبية على وضع اسرائيل وقوّت الى حد بعيد من محور خصومها في المنطقة. من هنا فالتقدير الإسرائيلي الأولي ان قدوم مرشح ديموقراطي قادر على استرجاع هيبة الولايات المتحدة واعادة ترميم قوتها الاقتصادية لا بد أن ينعكس ايجاباً على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل. فكلما تحسن وضع الولايات المتحدة دولياً كلما تعزز وضع اسرائيل.
وعلى رغم تخوف الاسرائيلي العادي من أن ينعكس فوز أوباما اليساري الأسود ذي الأصول الأفريقية- الاسلامية تأييداً للمواقف الفلسطينية، وعلى الرغم من قلق أحزاب اليمين في اسرائيل من تدخل أميركي أكبر وأكثر فاعلية في تسوية النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي يمكن أن يفرض على اسرائيل أموراً لا تريدها؛ فالجميع في اسرائيل مقتنع بأن فقدان الولايات المتحدة دورها كوسيط محايد وعادل خلال الأعوام الأخيرة كانت له ارتداداته السلبية ليس على العملية السلمية وحدها وانما على مجمل الوضع السياسي الذي ساد في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. فسياسة ادارة بوش خلال الأعوام المنصرمة أضعفت معسكر المعتدلين وسط الفلسطينيين والعرب اجمالاً وعززت نفوذ العناصر المتطرفة الأصولية التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وتخطط لحرب ضدها.
بالنسبة الى قسم من الاسرائيليين فوز أوباما سيعزز من فرص فوز حزب الوسط “كاديما” واحزاب اليسار اجمالاً وسيضعف معسكر اليمين بقيادة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو. ولكن في الحقيقة أحزاب اليمين واليسار الاسرائيلية هي اليوم بصدد تحليل مغزى هذا الفوز وانعكاساته على اسرائيل بدءاً من موقف الادارة الجديدة من ايران مروراً بالعملية السلمية المتعثرة مع الفلسطينيين والمفاوضات غير المباشرة مع سوريا كي تقوم برسم برنامجها للإنتخابات المقبلة في اسرائيل.
تُعد اسرائيل نفسها منذ اليوم على فكرة دخول ادارة اوباما في حوار فعلي مع الايرانيين. ويظهر مما نشرته الصحف ان اسرائيل نقلت خلال الأسابيع الأخيرة رسائل واضحة الى المرشح الديموقراطي تدعوه فيها الى الأخذ جدياً في الاعتبار المصلحة الاسرائيلية في هذا الشأن وضمان عدم تعريض أمن اسرائيل للخطر. ويعول الاسرائيليون على ما يسمونه”شبكة أمان” لهذه المصالح من شأنها تقييد سياسة أوباما من ايران بينها ضرورة الأخذ في الاعتبار موقف اليهود الأميركيين الذين صوتوا له من الموضوع ومواقف الكونغرس وهيئات أخرى.
وفي ما يتعلق بالعملية السلمية تتوقع اسرائيل أن تبعث الادارة الجديدة بموفد أميركي خاص الى المنطقة لتحفيز عملية التفاوض. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما هو سلم الأولويات؟ هل ستعطي الادارة الجديدة الأولوية للإتفاق مع سوريا أم للتسوية مع الفلسطينيين؟ يرى عدد من المعلقين الاسرائيليين أن مصير عملية السلام في الشرق الأوسط يعود الى سياسات المحيطين بالرئيس الجديد أكثر مما يعود الى تصريحات الرئيس ومواقفه العلنية. ونظراً الى عودة عدد من الأسماء المعروفة في ادارة الرئيس بيل كلينتون الى الاهتمام بملف الشرق الأوسط لا يستبعد هؤلاء دوراً أميركياً أكثر فاعلية وحياداً في تحفيز العملية السلمية والمزيد من الضغط على اسرائيل في موضوع المستوطنات وتطبيق الاتفاقات التي تعهدت اسرائيل بها للإدارة الماضية وتنصلت منها في ما بعد. ومع ذلك من غير المنتظر ان تغير الادارة الجديدة موقفها من “حماس” مثلاً او من التنظيمات الفلسطينية التي تعتبرها ارهابية.
لا تتخوف اسرائيل من استمرار الدعم الأميركي اللامحدود لها، لكنها تنتظر ما هو اكثر من ذلك فهي تريد ان تسترجع ما خسرته خلال ولاية بوش الأخيرة من مكانة وموقع وتفوق اقليمي.
رنده حيدر