نحن و أوباما
أسعد عبود
الشارع السوري مرتاح عموماً لانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية… ارتياح تشوبه مقولة (لا فائدة من هذا وذاك) إنما هو الموقف من الرئيس بوش وسياسته وكراهيته للمنطقة وشعوبها ودولها، وبشكل خاص ما اقترفته يداه في العراق، وما أشرف على هندسته ونُفذ باليد الإسرائيلية في لبنان، وما شجع عليه من ذبح للفلسطينيين.
لقد دفع المرشح الجمهوري (ماكين) ضريبة هذه السياسة، أضف إلى ذلك أن نجاح أوباما اللافت بشخصيته المميزة… بلونه… بشبابه… بطرحه التغيير شعاراً لحملته… يحقق الرضا للمعنيين وغير المعنيين، بل يحقق الدهشة…
هذا الالتفاف الأميركي والعالمي حول أوباما، وطرقه بيده السمراء أبواب البيت الأبيض، يشكل عنصر إدهاش حقيقي. هذه أميركا التي كانت منذ أقل من نصف قرن تفتك بشعبها العنصرية والتمييز ضد الزنوج… وأن يصل أوباما إلى البيت الأبيض، هي مقدرة رائعة للشعب الأميركي على تقبل الجديد والبحث عنه، وهي أكبر صور التجدد وقابلية الحياة… ويستحق الشعب الأميركي المقدام المتجدد الحيوي كل تهنئة على كفاءته كما على رئيسه الجديد. سوريا عقل منفتح للحوار ويد ممدودة للسلام والتعاون والبناء… من الطبيعي جداً أنها تنتظر التغيير في السياسة الأميركية التي عانت خلال السنوات الثماني الماضية من تحجر يشابه كثيراً تحجر العقول الأصولية. لقد أغلقت الآذان في الإدارة الأميركية على كل نداءات الحوار، والتعاون… وفضلت عليها رسائل الضغط والتهديد والاستصغار وهذه من صفات الغباء السياسي.
لذلك تتوقع سوريا التغيير على هذا الخط مبدئياً. يعني أن تحل في الإدارة الأميركية آذان تسمع وألسنة تقول الحقائق ورغبة تفعل من أجل السلام والتنمية، وليس من أجل الحروب والعقوبات.
إذا كانت العلاقات السياسية السورية -الأميركية قد عرفت خلال تاريخها وجهتي نظر: واحدة أميركية وأخرى سورية، فهذا لا يعني صمّ الآذان واختيار العداء طريقاً وحيداً.
لقد أوجد البلدان منذ مطلع السبعينات قنوات حوار وتعامل ومششاركة كثيرة جداً. وانجلت غيوم من سماء العلاقات المشتركة لتحافظ على حدود دنيا من التفاهم يليق بأداء سياسي من طرفين يختلفان في وجهات النظر حول هذه المسألة أو تلك…
لكن إدارة بوش فضلت أن تستبدل كل هذه القنوات والأفق بحملات الادعاء والدعاية والكذب والافتراء والتهديد والعقوبات، وصفوا سوريا أنها داعمة للإرهاب في الوقت الذي كانوا يعترفون فيه بالتعاون معها في مقاومته… إلى أن أوصلوها لأن تعلن بوضوح أنها توقف التعاون الأمني مع أميركا، ومن هذا الجانب فإن التغيير الذي تنتظره سوريا من الإدارة الأميركية العتيدة لايتمثل في العدول عن محاربة الإرهاب… وهي -أي سوريا- من فرسان هذه المعركة التي تشهد لبطولاتها الدوائر الأميركية بل هي تنتظر تماماً التعامل الصادق المباشر، بإذن تسمع، بعين ترى، بلسان يتكلم حول كل ما يجري في المنطقة والعالم… وليس ثمة من يعنيه استقرار المنطقة وأمنها كما هي سوريا.
لقد فعلت أيام إدارة الرئيس بوش الكثير بالعلاقات السورية – الأميركية التي وصلت إلى حد العدوان المسلح على مواطنين سوريين بما لم يسوّغه أحد في العالم، بما في ذلك إدارة بوش نفسها… ومع ذلك تبقى لهذه العلاقة جذورها وجذوعها القابلة للنمو والحياة، إن امتدت لها الأيدي بالعناية والرعاية.
وها هي اليد السورية ممدودة ولاشيء لديها عصي على الحوار… وتنتظر اليد الأميركية… بل تنتظر يد الرئيس المنتخب باراك أوباما.
(افتتاحية جريدة “الثورة” السورية 2008/11/6)
تعليق واحد