حول افتتاحية صحيفة ” الثورة ” السورية المعنونة ” نحن وأوباما ”
أحمد مولود الطيار
افتتاحية صحيفة “الثورة ” السورية بتاريخ 6- 11 – 2008 بعنوان ” نحن وأوباما ” تستحق المناقشة، ربما مرد أهمية الافتتاحية تلك نابع أولا من عنوانها ” نحن ” ثم الشطر الثاني بعد الواو ” أوباما ” .
لاأظن الصحيفة جانبت الواقع حينما قالت ” الشارع السوري مرتاح عموماً لانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية… ” ، طبعا من جهتنا بعيدا عن حق ادعاء التكلم باسم أحد، فالشارع السوري ربما مثل الكثير من شوارع أمريكا أولا وشوارع عالمية ثانيا، هللت لفوز أوباما ربما، ليس حبا به بل بالضد من بوش، الذي يعتبره الكثير من الأمريكيين ومن المحللين السياسيين الأسوأ ربما ما مر به تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية .
ما يلفت النظر أكثر في افتتاحية صحيفة رسمية لدولة ” تؤمم ” الإعلام ، حديثها عن التحجر والتكلس والعنصرية والتمييز كذلك عن نداءات الحوارواغلاق الآذان …. الخ .
تقول الافتتاحية : ” تنتظر التغيير- المقصود سورية – في السياسة الأميركية التي عانت خلال السنوات الثماني الماضية من تحجر يشابه كثيراً تحجر العقول الأصولية. لقد أُغلقت الآذان في الإدارة الأميركية على كل نداءات الحوار، والتعاون…”.
في موضع أخر تقول الافتتاحية : ” اليد السورية ممدودة ولاشيء لديها عصي على الحوار… وتنتظر اليد الأميركية… بل تنتظر يد الرئيس المنتخب باراك أوباما.” .
طبعا ما يشجع على الحوار مع افتتاحية صحيفة ” الثورة “السورية تنديدها وذمها للانغلاق والتكلس والتحجر كذلك وصفها للسنوات الثمان بالعجاف، والمقصود بالطبع ولايتي الرئيس المخلوع جورج بوش . ولكم كنت أتمنى ممارسة هذا الحوار عبر الصحيفة نفسها ، ولكن باءت كل محاولاتي تسويد إحدى صفحاتها عبر مقال لي بالفشل .
من أين طرف الخيط الذي يُبتدأ به الحوار في ماسورة الخيوط المتشابكة ؟ حيث من السهولة بمكان سحب أي خيط ليزدحم جدول الأعمال وتضيع البوصلة ويفقد سمتها حسه في تشربك الخيوط، ولكن بما أن الحديث هو حول أمريكا و” أبواب البيت الأبيض تفتح على طرق ” يد سمراء ” وكلام الجريدة السورية عن ” هذه أميركا التي كانت منذ أقل من نصف قرن تفتك بشعبها العنصرية والتمييز ضد الزنوج… وأن يصل أوباما إلى البيت الأبيض، هي مقدرة رائعة للشعب الأميركي على تقبل الجديد والبحث عنه، وهي أكبر صور التجدد وقابلية الحياة… ويستحق الشعب الأميركي المقدام المتجدد الحيوي كل تهنئة على كفاءته كما على رئيسه الجديد.”.
الكلام أعلاه بين المزدوجين هو ل”الثورة ” السورية في تهليليها لمجئ الرئيس الأسود ” باراك حسين أوباما ” . ومتابعة على نفس المنوال في الحوار مع ” الثورة ” نسأل الافتتاحية عن رأيها ليس في كل مواد الدستور السوري لأن المكان لا يتسع لهكذا أسئلة إنما ما علاقة له بالتمييز ، طالما الافتتاحية تقف ضده وهو موقف نبيل .
يقولون : الدستور السوري يُخرج سورية من اطار دولة حديثة، على اعتبار أن الدستور بمواده المتضمنة بين دفتيه، هو عقد بين حاكم ومحكوم، وعلى اعتبار أن هناك مادة في ذلك الدستور رقمها هو 8 تنص على أن ” حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ” وهي مادة أسست نظريا وعمليا إلى فرز وتمييز واضح بين سكان “الجمهورية العربية السورية” وهذا يذكّر رغم بعد المسافة الزمنية بالتقسيم اليوناني القديم، فكما كان ” دستور الأثينيين يقسم الأحرار في أثينا إلى أربع طبقات حسب دخلهم السنوي ، وكانت وظائف الحاكم والقائد والخازن مقتصرة على أفراد الطبقة الأولى ، ومن الطبقة الثانية كان يتم اختيار الفرسان في الحرب ، ومن الطبقة الثالثة المشاة ذوي الأسلحة الثقيلة ، ومن الطبقة الرابعة الجنود والبحارة العاديين، فإن الدستور السوري يقسم المواطنين السوريين حسب انتماءهم السياسي إلى :
ـ فئــة أولى : هم البعثيون ، ومنهم حصراً يرشح رئيس الجمهورية ، ويتم اختيار قادة الدولة والمجتمع .
ـ فئـة ثانـية : هم الجبهويون ، ومنهم يتم اختيار بعض الوزراء والنواب والمسؤولين من الدرجة الثانية .
ويمكن إضافة :
ـ فئـة ثالثـة : هم المستقلون ، وهم الرعية الذين لا حول ولا قوة لهم .
ـ فئـة رابعـة : هم المعارضون ، ومصيرهم المنافي أو السجن أو القبر .
ولكن هناك فارق هام ، وهو أن الضرائب لدى الأثينيين كانت تتناقص مع الانتقال من طبقة أعلى إلى طبقة أدنى، أما لدى السوريين فإن الضرائب ( بأنواعها ) تزداد مع الانتقال من الفئة الأولى إلى الفئة الثانية فالثالثة وصولاً إلى الفئة الرابعة التي تصل ضرائب أعضاءها إلى حد الحرية والحياة “. (دراسة حول الدستور السوري – جان حبش – صادرة عن مركز الدرسات الاسترتيجية )
أيضا وبما أن كلام الافتتاحية حول مقدرة الشعب الأمريكي على إيصال رجل أسود إلى أعلى منصب ربما ليس في أمريكا إنما في العالم، فان الناظر لمقدمة الدستور السوري، يلاحظ هيمنة مطلقة لعقيدة البعث على الدستور، وتفرض على الشعب السوري والدولة السورية تبني شعاراته وأهدافه والعمل من أجل تحقيقها، حتى ليشك المرء هل ما يقرأه مقدمة دستور لبلد متعدد متنوع أم برنامج حزب البعث !!
فالفقرة الثالثة من المادة الأولى تنسف كل التعدد والتنوع الاثني في سورية وتقرر أن جميع مواطني سورية يسعون إلى تحقيق الوحدة العربية !!
ربما هناك الكثير والكثير جدا من مواد دستورية وغير دستورية في سورية، تفتح الشهية للنقاش من حولها، ودائما الفضل يعود للثورة السورية .
خاص – صفحات سورية –