هل لتفاؤل العرب بنتائج الانتخابات الأمريكية ما يبرره؟
أكرم شلغين
أن يسود الارتياح لنتائج الانتخابات الأمريكية لدى غالبية المتابعين والمراقبين في العالم فهذا بالأمر العادي والمتوقع لأسباب شتى منها أن سياسة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش دمغت صورة أمريكا عالمياً، وحتى بين أصدقاء أمريكا، ما جعلها توصف بالتفرد والتهور في القرارات الدولية وبمحاولة إعادة أجواء الحرب الباردة، ما جعل صورتها وسمعتها تتدهوران إلى أدنى المستويات من جهة، ومن جهة أخرى لأن أمريكا تبرهن عظمتها وديمقراطيتها وحبها للتغيير حيث يتاح لشاب من أصل إفريقي أن يتبوأ ديمقراطياً منصب الرجل الأقوى في العالم و يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وعلى أرضية وعوده بالتغيير وأن يعيد لأمريكا ما فقدته من سمعة ومصداقية. أما أن يسود الفرح والتفاؤل الأوساط العربية لنتائج الانتخابات فربما يكون هذا الفرح سابقاً لأوانه وكذلك فإن مبعث هذا التفاؤل لا يستند على أساس صلب.
يبدو أن مصدر فرح العرب بشكل جوهري هو رحيل الرئيس بوش أكثر منه قدوم الرئيس باراك أوباما، فبسبب سياساته المتعلقة بالشرق الأوسط عموماً لايحظى بوش بتقدير العرب الإيجابي، باستثناء النظام السعودي الذي تربط عائلته المالكة علاقات متينة ومتشعبة مع بوش الابن والأب. توخياً للدقة نتذكر أن مشهد الفرح العربي والتفاؤل لمغادرة رئيس أمريكي البيت الأبيض ورحيل إدارته وحلول رئيس وإدارة جدد ليس بغير المعهود، والسبب يعود لأن مواقف الرؤساء والإدارات الأمريكية كانت دائماً وعلى مدى العقود الماضية ضد تطلعات العرب وقضيتهم المركزية (القضية الفلسطينية) وما تفرع عنها من صراعات وقضايا وشُتات وآلام وهموم للعرب. فعلى سبيل المثال، عند رحيل جيمي كارتر عن البيت الأبيض كانت الغالبية من العرب تهلل وتجمع على أنه كان الأخطر على العرب إذ نجح في تفريق الصف العربي باتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية التي “حيّدت” مصر ووضعت سلاحها في المخازن؛ عند رحيل بوش الأب استعرض الكثير من العرب (ما عدا الكويتيون والسعوديون) كيف أن حرب الخليج الثانية ذهبت أبعد من أهدافها المعلنة لإخراج قوات نظام صدام حسين من الكويت فإدارته هي التي رأت وجوب إرجاع العراق إلى العصور الحجرية وأن الخطر يكمن في امتلاك العراق لهذا المخزون الهائل من احتياطي النفط مادام البلد محكوماً بنظام صدام، ومع إعلان بوش “نظام العالم الجديد” إثر انتصاره على نظام صدام رأى العرب أن بوش الأب يعطي بقية دول العالم درساً وعبرة بعد انتصاره على “العرب”، وإثر فرضه عبر المنظمات العالمية ما سمي بـ”النفط مقابل الغذاء” رأى العرب كيف ازدادت مأساة الشعب العراقي حدة إذ تضاعفت معاناته مرة من الديكتاتور وأخرى من أعداء الديكتاتور؛ وعند رحيل كلينتون تذكر العرب مجزرة قانا واستمرار فصول معاناة العراقيين والقصف على بغداد وكم حفرت في قلوبهم، على سبيل المثال لا الحصر، أن شحنة تبرعات فيتنامية بكمية من أقلام الرصاص للكتابة منعت من الوصول إلى العراق بحجة أنها قد تستخدم في صناعة الأسلحة، وتذكر العرب بذهول أيضاً أن إدارة كلينتون ومستشاريه على مدى الفترتين الرئاسيتين قد جمعت كل من هو معاد لمصالح العرب (مادلين أولبرايت، ويليام كوهين، ساندي بيرغر، دينيس روس، مارتن إيندك الاسترالي الذي استقدم خصيصاً لخبرته في الشرق الأوسط وأعطي الجنسية الأمريكية خلال أسبوع فقط…إلخ؛ بل – وليس من زائد الكلام هنا التذكير – أن توصيات المنظمات العربية في الولايات المدعومة سعودياً كانت تركز للعرب الأمريكيين على انتخاب جورج دبليو بوش قبل فترة رئاسته الأولى (ضد المرشح الديمقراطي آل غور)، ومن التعابير التي استخدمها العرب المروجون لانتخاب بوش حينها أنه من “يسرنا تناول العشاء معه” أي إعادة صياغة عربية لكلام الجمهوريين الأمريكيين عن بوش: “إنه من تود أن تتناول معه كأساً”، وقيل حينها ما معناه (وليس الكلام حرفياً هنا) إنه (أي بوش) من الطيبة بمكان تجعلك تشعر بالقرب منه ويحمل قيماً تجعله أقرب ما يكون إلينا وإلى “قيمنا” الإسلامية…والآن عندما يرحل بوش عن البيت الأبيض وترحل إدارته يتذكر، وسيتذكر، العرب الكثير عنه وعن رئاسته فإذا كان هذا هو الأقرب لهم كمسلمين ـ كما ذكّرنا للتوـ فإن التاريخ الحديث لم يعرف إهانة للإسلام والمسلمين كالتي عرفها عهده، وإذا كان هذا هو الأقرب إليهم كعرب فهو نفس الرئيس الذي عمل بتوصيات المعاهد المختصة لديه بعدم التفريط بسمو الرئاسة الأمريكية ولهذا تحاشى أن يعطي الفرصة للراحل ياسر عرفات ليمد الأخير يده مصافحاً، ناهيك عن اختلاق أكاذيب امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل واستخدام هذه الأكاذيب ومثيلاتها لاحتلال بلد عربي وتدميره وتجزئته ولترسو توجهات إدارته على هدف واحد هو الشرعنة للاحتلال الدائم اقتصادياً، إن لم يكن عسكرياً (كما توضح السجالات الجارية بشأن الاتفاقية). باختصار وتكثيف، عند نهاية ولاية، ورحيل، كل إدارة أمريكية يتكرر القول أنها كانت الأسوأ بموقفها من القضايا العربية ثم لا يلبث الكلام عن الإدارة القديمة أن يُنسى بعد أن يأتي رئيس جديد وإدارة جديدة يذيقان العرب من الأمرين ما لم يعرفونه من قبل وتتكرر هذه الاسطوانة مع تكرر واستمرار فصول المعاناة العربية. والآن يأتي رئيس جديد للولايات المتحدة يستبشر به العالم ولأسبابه ـ كما قلنا أعلاه ـ خيراً، ويبقى السؤال: هل للعرب أن يستبشروا خيراً بنفس الطريقة!؟ وأما الجواب عليه فتحدده عناوين عامة ومعطيات تزيل الأساس الذي يستند عليه العرب.
من الطبيعي أن يتذكر العرب مساوئ بوش وإدارته الآن ولكن ما يبقى غير مفهوم هو قصر الذاكرة وفقدان البصر والبصيرة السياسية لدى هؤلاء كي تغيبهم القراءة الدقيقة لما يجري. من المؤكد أن أوباما سيعمل على “التغيير” الذي وعد به والذي ينتظره عامة الأمريكيين، وبقية شعوب العالم معهم، وأمامه إرث ثقيل ومشاكل ومسائل متعددة منها الكساد الاقتصادي ومسائل الضمان الصحي ومسائل البيئة ووجود القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وخطى روسيا لفرض ماتراه بمكانها اللائق على الساحة الدولية إلخ. ولكن من جديد يبرز السؤال عن نصيب العرب من التغيير المرجو، فإذا كان أوباما قد وعد أنه سيسحب القوات الأمريكية من العراق في غضون ستة عشر شهراً من انتخابه (وهذا ما يأمله غالبية العرب) فإنه سيفعل ذلك لا من أجل العرب بل بالمطلق لأن في ذلك وقف للنزيف المالي والبشري للأمريكيين، فأوباما نفسه كان نوه لذلك في أكثر من مكان أثناء حملته الانتخابية، وفي كل الأحوال نترك ذلك للأشهر القادمة لنرى إلى أي حد تتطابق وعود ما قبل الانتخاب مع خطوات ما بعده! ولنرى فيما لو كان قرار سحب القوات الأمريكية من العراق يندرج ضمن ما يعتقد أوباما (بعيد إعلان فوزه مباشرة) أنه يحتاج إلى وقت يطول لأكثر من عام وربما لولاية كاملة كي ينفذ! أما القضية المركزية (القضية الفلسطينية) وما يتفرع عنها، وهي الأساس، فإن من يتجاهل خطاب أوباما أمام الإيباك وما قاله بالفم العريض فإنه يضع عصابة على عينيه ويسد أذنيه. إنه من ذهب أبعد من غيره بالقول إن القدس ستبقى العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل، وهو من تكلم في تلك المناسبة بتفصيل عن كل ما يتعلق بأمن إسرائيل إلى حد أنه لم ينس رفح ومعابرها وأنفاقها، وهو أيضاً من كرر في ذلك الخطاب أن القرار الأول والأخير هو لإسرائيل..، وأما إن لم نسمع أو نقرأ في خطاباته أو في حملته الانتخابية ما هو ضد العرب، كما قد يقول البعض، فإننا بنفس الوقت لم نسمع أو نقرأ ما به ما يطمئن إلى تفهم قضاياهم، أسوة بما قيل أمام إيباك وفي مناسبات أخرى من أجل إسرائيل.
من جديد يطرح السؤال نفسه عن العرب فيما يجري، ويخطرني الآن برنامجاً متلفزاً نقلته شبكة السي إن إن قبل أشهر وكان بين حضوره والمشاركين به صحفيين وإعلاميين عرب ومن بينهم سيدة تمثل قناة العربية (وعدم ذكر اسمها ليس مقصوداً وإنما لأنه يغيبني الآن) حيث تكلمتْ بغبطة وبهجة عن تطلع العرب إلى انتخاب أوباما بصفته “مسلماً”، عند رؤيتي لتعابيرها وسماع كلامها لم أستطع إلا أن أستغرب كيف تكون هذه السيدة إعلامية وهي لاتقرأ ما يتناوله الإعلام من تصريحات أوباما وتوضيحاته إذ تصر تلك السيدة على وصف أوباما بما يكذبه أوباما نفسه حين ذكر الأخير مراراً وتكرارا أنه ليس مسلماً فقد تنشأ مسيحياً ويذهب للكنيسة منذ أكثر من عقدين! ولا أعرف ماذا كان موقف تلك “الإعلامية” إن كانت قد قرأت لاحقاً أن مستشاري أوباما قرروا إبعاد فتاتين مسلمتين من أصول عربية (هبة عارف وشيماء عبد الفضيل) استثنيتا من بين 20 ألف مشارك ومنعتا من الجلوس في الصف الثاني (خلف أوباما وآل جور) في حفل لمؤيدي أوباما بمدينة ديترويت! فالفتاتين فهمتا الرسالة وهي أن أوباما ومستشاريه لايريدون أن يقترن اسمه بالمسلمين، وأما الذرائع التي قدمت في حينها فتتلخص بأن الموقف حساس للغاية. وهنا بيت القصيد، إنها حساسية الموقف التي تجعل من أوباما ليس فقط حريصاً على عدم اقتران اسمه بالعرب والمسلمين وإنما أن يظهر أيضاً وبنفس الوقت ما فيه تعاضداً واضحاً وتعهداً لإسرائيل بالالتزام بحمايتها وبأمنها. إنها السياسة الاستراتيجية الأمريكية التي لاتتبدل مع تبدل رئيس أو إدارة، ومن يخرقها لن يكون له حظاً في الانتخاب (كما قال جيمي كارتر نفسه، الرئيس الأمريكي الأسبق، في أكثر من مناسبة في السنوات الأخيرة). فأوباما المرشح الرئاسي كان حريصاً على أن ينتخب، وأوباما الرئيس المنتخب في الولاية الأولى سيحرص على إعادة انتخابه في الولاية الثانية، وأوباما الذي [إن] أعيد انتخابه مرة أخرى سيحرص في الولاية الثانية على حزبه الديمقراطي وكذلك على المستقبل السياسي للملونين و”مصداقيتهم” في الولايات المتحدة…وهكذا علينا أن ندرك أنه لامبرر للتفاؤل بل علينا الاستعداد لتلقي مزيداً من الإحباط وخيبة الأمل.
أخيراً لابد من القول أنه في عالم منطقه “القوة هي الحق” (might is right) ، ينبغي علينا ألاّ نلقي باللوم على الرئيس الأمريكي أياً كان فمن حقه أن يبحث عن مصالحه وعما يناسبه إذ نعيش بعالم لاتؤثر فيه العواطف بل تسيره وتحكمه السياسة بمنطقها آنف الذكر. أما لماذا يحرص كل رئيس أمريكي على إرضاء إسرائيل ولا يكترث للعرب وقضاياهم وعواطفهم وآلامهم فجواب ذلك نجده ليس عند الأمريكيين بل يكمن بدقة في وجود حكام تنقصهم الوطنية والشعور بالانتماء، وعلى نحو أدق تنقصهم الشرعية، ما يأخذه صناع القرار العالمي ضدهم ويبتزونهم به إن هم أخلوا بما هو سائد من قواعد اللعب التي لن تتغير ما دام هؤلاء الحكام العرب يحكمون. والفارق بين الحكام العرب وقادة إسرائيل جذري ولامجال للمقارنة، فالمال يستخدمه الإسرائيلي لشراء القرار السياسي.. وأما المال بيد الحكام العرب فيعني العربدة والمجون والفجور وشراء رضاء العالم عنهم وصمته حيال ممارساتهم ضد شعوبهم ومواصلة قمعهم وتفقيرهم لمن يحكمون، بينما يستمر ابتزاز العالم لهم فيرضخون بل ويوزع بعض الحكام العرب من الأموال التي يفترض أن تكون لشعبهم ما يذهب منه (بشكل غير مباشر) في النهاية لإسرائيل نفسها.
الحوار المتمدن