أوباما وملفاتنا الساخنة
عمركوش
يشكل فوز باراك أوباما بالسباق إلى البيت الأبيض بداية مرحلة جديدة في الولايات المتحدة الأميركية، وفي العالم، ونهاية مرحلة المحافظين الجدد والزعامة البوشية، التي تميزت بالأصولية الراديكالية والانفراد والغطرسة والواحدية القطبية، وعدم الاحتكام إلى الشرائع والأعراف الدولية، وجرّت العالم إلى حروب طاحنة، أزهقت أرواح الملايين من البشر، إضافة إلى الأزمات والانهيارات، والتي تتوجت بالأزمة المالية الطاحنة. لذلك، فإن فوز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية هو هزيمة للمرحلة البوشية ولنهجها وسياساتها.
وتقف وراء بداية المرحلة الجديدة عوامل عديدة، داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، حيث شهد الحزب الديمقراطي، خلال الأعوام السابقة تحولات مؤثرة على الصعيد التنظيمي، أسهمت في وصول أوباما إلى موقعه المتقدم فيه. واتخذت التغيرات داخل الحزب الديمقراطي أبعاداً واضحة وقوية في معارضة الحرب في العراق، والمطالبة بانسحاب القوات الأميركية منه.
إضافة إلى أن أوباما شكل ظاهرة، هدفها التغيير، في الداخل والخارج، وخاطبت الشباب عبر شبكة الإنترنيت، ولامست مشكلاتهم، وتوجهت إلى الأقليات العرقية وطموحاتها وهمومها وقضاياها. وتتجسد الظاهرة في صفات أوباما، المثقف المناهض للحرب في العراق، والذي يمتلك قدراً كافياً من الحضور والفصاحة والقدرة على الإقناع والصياغة المنطقية للأفكار، وفي رفع أوباما شعار «التغيير» الذي مازال يبحث له عن مضمون، إذ كان يتجسد أحياناً في الانسحاب من العراق الذي تطلبه الحركات والأوساط المعادية للحرب، ثم أخذ بعداً تجسد في الخفض الضريبي وتوسيع برامج الخدمات الاجتماعية، ومع الأزمة المالية العاصفة أخذ التغيير طابعاً اقتصادياً.
وستتضح معالم التغيير مع رسم إستراتيجية جديدة للولايات المتحدة، على المستويين، الداخلي والخارجي.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هو: كيف سيتعامل بارك أوباما وإدارته من ملفات منطقتنا الملتهبة، إذ ستكون هذه الملفات من أهم القضايا والتحديات التي ستواجه السياسية الخارجية للولايات المتحدة، بخاصة كيفية التعامل مع العراق الذي لم توقع حكومته حتى الآن الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة؟
ربما من المبكر التكهن بكيفية التعامل مع ملفات المنطقة، وعلينا الانتظار عدة أشهر، لكن على الأغلب ستكون الكيفية مختلفة كلياً عن تعامل الإدارة الأميركية السابقة، بالرغم من الضبابية التي تميزت بها مواقفه الشرق أوسطية. فقد أعلن أوباما في أكثر من مناسبة عن نيته في وضع حد للحرب في العراق، وحثّ الحكومة العراقية على النهوض بمسؤولياتها، وطالب بوقف إنفاق 15 مليار دولار شهرياً في العراق.
وبخصوص الملف الإيراني أعلن أوباما أنه مع إجراء حوار مع إيران حول مستقبل العراق، لكن موقفه من البرنامج النووي الإيراني يثير تساؤلات عديدة حول الموقف من إيران فيما لو استمرت في تخصيب اليورانيوم. فقد أعلن مؤخرا أنه لن يسمح لإيران بمضيها بمشروعها النووي تحت طائلة نوع من مواجهة لم يفصح عن خطوط معالمها حتى الآن، والأرجح أنه سيلجأ أولا إلى خيار الحوار مع إيران، وفي الوقت نفسه سيتعاون مع الاتحاد الأوروبي لصياغة تصورات جديدة للتعامل مع ملفها النووي.
أما الموقف من القضية الفلسطينية، فيبدو أنه لن يتغير كثيراً، نظراً لعلاقته الوثيقة جدا باللوبي الصهيوني، وأعلن في أكثر من مناسبة عن التزامه التام بأمن «دولة إسرائيل ويهوديتها»، وعن رفضه حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
ويبقى أن موقف أوباما من «الحرب على الإرهاب» يفهم من خلال ما أعلنه عن عزمه التركيز على أفغانستان وباكستان، بوصفهما منبعاً للإرهاب الدولي، لكن ذلك لا يعني عدم الدخول في حوار مع حركة «طالبان»، بغية التوصل إلى صيغة تنهي الحرب المدمرة. والأمل معقود على أن ينهي أوباما سلسلة الحروب الأميركية، وخصوصاً في منطقتنا العربية، ويعوّل الكثير على شجاعته السياسية التي أظهرها خلال الحملة الانتخابية.. فهل يحرك الأمور في اتجاه أكثر إيجابية، أم أنه سيعيد سياسة سلفه، ولكن بثوب آخر، خصوصا في الشرق الأوسط، حيث الأولوية دائما لإسرائيل على حساب، حتى المصالح الأميركية الحيوية والإستراتيجية؟
كاتب من سورية