النقيض
سميح صعب
سواء أكان الانهيار المالي او التعب من الحرب في افغانستان والعراق قد ساهم في انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة، فإن ذلك لا يخفي اندفاعاً لدى الاميركيين نحو ما سمته “النيويورك تايمس” بـ”التطهر” من حكم جورج بوش، فإذا بالشعب الاميركي ينجذب الى الرجل الذي يرى فيه نقيضاً للرئيس الجمهوري.
وفي ظروف استثنائية تمر بها الولايات المتحدة نتيجة الأزمة المالية، تجاوز الاميركيون اموراً كثيرة كان من الممكن ان يحددوا فيها موقفهم من هذا المرشح او ذاك. فالخوف على مستقبلهم الاقتصادي تغلب على نزعة الخوف من “القاعدة”. والكل يذكر كيف لعب بوش بمهارة ورقة الخوف الامني في انتخابات 2004 للحصول على التأييد. أما في الانتخابات الاخيرة فقد ضعفت ورقة 11 ايلول 2001، ولم يتمكن جون ماكين من تكرار سيناريو بوش علماً أنه كان يذكّر الاميركيين دوماً بان خصمه غير مؤهّل كي يكون القائد الاعلى للقوات.
والى تخطي حاجز الخوف، لم تجدِ ورقة العنصرية التي حاولت حملة ماكين استخدامها ايضاً لابعاد الناس عن اوباما. كما لم يجدِ التذكير بأن والد أوباما كان مسلماً فضلاً عن اتهامه بالعلاقة باميركيين يساريين عرفوا بمواقفهم المتشددة ضد حرب فيتنام مثل وليم اييرز. حتى ان بعض غلاة الجمهوريين اتهموه بأنه “عربي”. وهذا في اعتقادهم اسوأ نعت يمكن ان يوجهوه الى اوباما.
غير ان الناخبين الاميركيين تخطوا هذه الحواجز التي حاول ماكين من خلالها وقف زحف اوباما. وذلك عائد بدرجة كبيرة الى الخيبة من بوش واعوامه الثمانية في البيت الابيض، أكثر مما يعود الى الاعجاب بالمزايا التي يتمتع بها اوباما.
وقد نجح اوباما في اقناع الاميركيين بان التصويت لماكين سيعني انتخاب بوش لولاية ثالثة. وهذا ما ارعبهم. وعبثاً حاول ماكين فصل نفسه عن سنوات بوش العجاف. ولسوء حظه ان تدخل ديك تشيني لدعمه.
وكلما نظر الاميركيون الى اخفاقات الاعوام الثمانية التي توجت بالانهيار المالي، كلما كانت أنظارهم تتجه الى اوباما بصفته المنقذ لهم من رواسب عهد بوش – تشيني وما رافقه من اخفاقات. لذلك لم يكن مستغرباً ان يتخطى الاميركيون الكثير من الحواجز التي كان يمكن ان تمنعهم من انتخاب اوباما لو كانت الولايات المتحدة تعيش ظروفاً عادية.
وفي تقويم الاميركيين لولايتي بوش، بحسب “الايكونومست”، فان اعداء اميركا ازدادوا عداء لها فيما الاصدقاء لم يزد اعجابهم بها. وأكثر من ذلك، يعتقد المؤرخون الاميركيون ان بوش “غير كفوء”.
والجدل الدائر اليوم في الولايات المتحدة يتناول: هل بوش هو اسوأ رئيس عرفته اميركا ام هو ثاني اسوأ رئيس بعد جيمس بيوكانن الذي قاد البلاد الى الحرب الاهلية عام 1861؟
وهناك عامل آخر: فالاميركيون اختاروا اوباما البعيد عن واشنطن، سعياً الى المصالحة مع ذاتهم اولاً، ومع العالم ثانياً. انهم أرادوا عبر هذا الاختيار توجيه رسالة تؤيد التغيير في السياسات التي اتبعها بوش وخصوصاً في الداخل حيث أثقل البلاد بالديون مع عجز قياسي في الموازنة بسبب الانفاق على الحروب.
والتغيير يعني التخلي عن نهج استخدام القوة من دون ضرورة، في تنفيذ السياسة الخارجية. ولا يزال الموقف الذي اتخذه اوباما عام 2002 ضد حرب العراق المركز الاساسي في كل خطابه في السياسة الخارجية، وهو ما كشف عن امتلاك الرجل استشرافاً كان في محله.
واليوم يحتاج الاميركيون الى سياسات تشكل نقيضاً لكل سياسات بوش. وهذه الحاجة كانت الدافع الاكبر نحو التصويت بهذه الكثافة لأوباما.
النهار