انتصار أوباما هو التقاط للمزاج العام الداعي لتغيير حقيقي
احتفلت ملايين البشر في العالم بانتصار أوباما في انتخابات الرئاسة باعتباره أول رئيس اسود للولايات المتحدة ، وهو تطور هائل في بلد ذو تاريخ طويل بعنصرية متوحشة وخبيثة .
لم تكن الآمال حول انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة منذ سنوات الثلاثينات بمثل هذا الارتفاع الذي تشهده اليوم .
إن الاهتمام الذي أثارته حملة أوباما أوضحت إلى أي مدى يرغب الناس اليائسون بسياسات مختلفة عن تلك التي مارسها بوش و المحافظون الجدد في السنوات الثمانية الماضية .
لقد داعبت حملة أوباما مشاعر و مطالب المواطنين الأمريكيين العاديين بالحاجة إلى تغيير سياسي جدي في الولايات المتحدة . وشهدت احتشاد عدد ضخم من الناس واهتمامهم بالسياسة وغالبيتهم للمرة الأولى.
إن العامل الأساسي الذي ساعد على انتصار أوباما هو الأزمة الاقتصادية العالمية . والآن ، بعد أن انتصر أوباما فان الناس تنتظر منه أن يقوم ” بالتغيير ” الذي وعد به.
اليوم ، وبسبب الأزمة، تم تجريد اكثر من مليون منزل من ملكيتهم ، وهذا الرقم في طوره للازدياد ، الناس سوف تطالب بان يتم وقف هذا الميل ووقف إعادة استملاكها.
الناس سوف تطالب أيضا رئيسها الجديد بحماية عمال السيارات في معامل فورد و جنرال موتورز الذين يتعرضون إلى التسريح والطرد. والناس سوف تطالبه بمواجهة اكبر للعنصرية التي ما تزال عالية المستوى في الولايات المتحدة.
و الناس تنتظر أيضا تغييرا في ما يسمى ” بالحرب على الإرهاب ” واحتلال العراق وأفغانستان الكارثيين اللذين كانا من الأسباب الأساسية للانخفاض المذهل لشعبية بوش .
و لكن علينا أن نعي تماما أن هنالك تناقضا ما بين مطالب الناس العاديين وبين الداعمين الكبار والأغنياء لأوباما .
إن الحزب الديمقراطي هو أولا حزب الأغنياء و المرفهين ، و أوباما مرتبط بمؤسسة التمويل للشركات الأمريكية اليون شير للتمويل . والحزب الديمقراطي الأمريكي ليس مشابها لحزب العمال البريطاني ، لأن الأخير اكثر ارتباطا بالنقابات والحركة العمالية.
صحيح أن 93 بالمائة من التمويل السياسي الذي تقدمه النقابات العمالية الأمريكية تذهب لتمويل الحزب الديمقراطي الأمريكي ، ولكن هذه النسبة لا تشكل سوى 14 بالمائة من تمويله العام . اذ يحصل الحزب الديمقراطي على 67 بالمائة من تمويله من الشركات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى.
لقد كلفت الحملة الانتخابية لأوباما 650 مليون دولار ، وهو أطال في الحديث حول أنها آتت من تبرعات الناس العاديين ، ولكن لم يكن نصيب تبرعات الناس سوى النصف بينما حصل اوباما على النصف الآخر بفضل دعم رجال الأعمال والشركات الكبرى.
ليس صعبا معرفة ما يدفع الناس في الولايات المتحدة للتلهف من اجل التغيير ، لآن هذا البلد يفوق فيه أعداد المواطنين السود القابعين في السجون عن أعدادهم في المعاهد التعليمية العليا ، وان اكثر من ربع السود يعيشون تحت حافة خط الفقر، هذا بينما يرى أوباما أن الولايات المتحدة هي بلد ” الديمقراطية والحرية والفرص والأمل اللامحدودين” .
لقد التزم أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق ولكن من اجل إرسالها إلى أفغانستان ، مثلما انه وقع وبكل فرح على تقديم 700 مليار دولار لدعم بنوك بورصة وول ستريت.
و العديد من مستشاري أوباما كانوا من طاقم إدارة كلينتون الديمقراطية السابقة ، الذي انتخب هو أيضا بموجة من الأمل.
ولكن إدارة كلينتون لم تفعل سوى تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء، وقامت بمضاعفة عدد السجون الفدرالية التي بنيت . وأجهزت على نظام دولة “الرفاه” في الولايات المتحدة ، وشن كلينتون حروبا هي اكثر عددا من تلك التي شنها الرؤساء الأمريكيين الأربعة الذين سبقوه مجتمعين.
تجد أعدادا من الشخصيات الهامة في إدارة كلينتون السابقة مكانا هاما لها لدى أوباما ، و هذا يشمل ريشارد هولبروك وهو أحد مهندسي حرب البلقان في التسعينات ، و زبغنيو بريزنسكي أحد متحمسي ” الحرب على الإرهاب” .
أمامنا نضالات كثيرة ، بقدر ما ستشهد الآمال بأوباما حدودها و خيبتها بسبب سياسات الحزب الديمقراطي ، لذلك فان القضية المركزية التي تواجه اليسار الأمريكي هي معرفة مدى قدرته على الارتباط بالآمال الكبيرة التي رفعتها انتخاب اوباما في أوساط الناس العاديين . وان كان على اليسار أن يكون جزءا من الحملة القاعدية والجماهيرية للضغط على أوباما من اجل الالتزام بوعوده ، ولكن عليه أيضا وأولا بناء القوى في مواجهة السياسات الموالية للرأسمالية للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
إن انتخاب أوباما فتح مجالا لليسار و للحركة العمالية ولحركة مناهضة الحرب و للشعب الأسود من أن اجل أن يتقدموا بأجندتهم الخاصة ، وعليهم أن يمسكوا بهذه الفرصة.
نشرت في جريدة العامل الاشتراكي ، عدد 2126 ، تاريخ 8 ت2/ نوفمبر 2008 .
التيار الاشتراكي الأممي
ترجمة : غياث نعيسة
خاص – صفحات سورية –