أوباما وهو يحوّل “مستحيل” المواطن العربي إلى “ممكن”
حكم البابا
أكاد أكون متيقناً بأن انتخاب باراك أوباما الأمريكي من أصل إفريقي، الأسود البشرة، سيمنح سكان هذه المنطقة من العالم (ولا أقول مواطنيها) أملاً كبيراً، ليس لأنه -كما يهلل ويروج ويأمل أعداء المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط- سيقلب السياسة الأمريكية رأساً على عقب، ويعيد رسم تحالفاتها من جديد، فتصبح ايران وسوريه الدولتين اللتين تحظيان برعايته، ويتبنى حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين، ويعاملهما معاملة طفلين مدللين، ويبحث عن الابن الثالث المجهول للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فيعيد تسليمه حكم العراق، قبل أن يسحب جيش دولته المحتل منه، تكفيراً عن ذنب سلفه جورج بوش، ولكن لسبب آخر مختلف، فالأمل الذي سيوقظه انتخاب أوباما لدى سكان المنطقة العربية، يعني أن بإمكان الناس أن يحلموا بالطريقة التي تحلو لهم، وأنه لم تعد في العالم -بما فيه المنطقة العربية- أحلام محرمة أو مستحيلة أو يجرّم عليها القانون، أو تودي بحاملها إلى السجن.
فاليوم وبعد انتخاب أوباما الافريقي الأسود، الذي لازال أفراد عائلته من طرف أبيه يعيشون في كينيا ويحملون جنسيتها، أصبح بإمكان المواطن العربي حتى لو لم تظهر عليه إمارات الالهام والحكمة والنجابه، أن يفكر ويحلم بأن يصبح رئيساً بطريقة سلمية، حتى لو لم يكن نجلاً لرئيس، أو ضابطاً في الجيش، وكل ماعليه فعله هو الحصول على الجنسية الأمريكية، ومن ثم العمل بمثابرة وجد لتحويل نفسه إلى شخصية شعبية، ليرشح نفسه في أية انتخابات أمريكية قادمة، وقد يحالفه الحظ، أو تساعده الظروف، أو تضع سياسات الرئيس السابق له في صندوق الانتخاب ورقة لصالحه، ليصبح رئيساً لدولة لا تعيش على المساعدات أو القروض، وإنما لأقوى دولة في العالم.
من وجهة نظري يشكل انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية حدثاً كبيراً واستثنائياً، ليس لأنه سيقوم بتبديل سياسات، فأمريكا دولة وليس مزرعة عائلية، مؤسساتها هي التي تحكم، وشخصية رئيسها قد تكون مؤثرة إنما بنسبة لاتتجاوز العشرة بالمائة، وإنما لأنه يعطي أملاً للبشر، مهما كان لونهم أو دينهم أو طائفتهم أو أصولهم، وحتى لو لم يكونوا استثنائيين بالولادة، أن بإمكانهم تحقيق كل أحلامهم، شرط أن يعيشوا في مجتمع تديره مؤسسات، وتحكمه قوانين، حتى ولو لم يولدوا فيه ويحملو جنسيته أباً عن جد.
وانتخاب أوباما، يثبت من ضمن مايثبته بمقارنة غير متكافئة مع عالمنا، أن أمريكا لاتزال أرض الأحلام فعلاً، سواء في العلم أو الثروة أو السلطة، على عكس العالم العربي الذي ماتت فيه كل الأحلام، وأن قدرة مجتمعها (الذي يجمع أفراده حقوق المواطنه، وليس الدين الواحد أو التاريخ العريق أو اللغة المشتركة منذ آلاف السنين، أو النظرة الايدلوجية المنضبطة) على التطور والتسامح مذهلة، ففي الوقت الذي كان فيه العالم العربي ينتقل من عبودية الأجنبي إلى عبودية الوطني، ومن الأديان المتسامحة إلى أديان المذاهب والطوائف، كان المجتمع الأمريكي يتطوّر من استعباد الأفارقة إلى انتخابهم مستشارين ووزراء في سلطته، وصولاً إلى باراك أوباما الرئيس الذي سيحل بعد مايقارب الشهرين في البيت الأبيض مودعاً جورج بوش، الذي سيذهب إلى بيته لا إلى الحياة الأخرى -كما يحدث في العالم العربي- من دون أن يحمل هم ترتيب وضع عائلته في وراثة منصبه وسلطاته.
اليوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني أصبح بإمكان المواطن المصري والسوري والليبي والسوداني والتونسي (ومن دون أن يقف أمام المرآة ليتأمل شكله ولونه، أو يفتش في شجرة عائلته عن أب رئيس، أو يبحث في أوراقه الرسمية عن دينه وطائفته ومذهبه) أن يحلم بالرئاسة ويصل إليها، ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية وليس في العالم العربي.
• كاتب سوري
موقع العربية نت الالكتروني