دمشق – واشنطن: بانتظار لغة جديدة!
الياس حرفوش
بالطبع، لم يكن منتظراً أن ترد سورية عسكرياً على اعتداء طائرات الهليكوبتر الاميركية على أراضيها، عند الحدود العراقية. ورغم التهديد الذي أطلقه الوزير وليد المعلم بالرد على أي عملية مقبلة، فالأرجح ان هذا التهديد هو من باب رفع المعنويات الداخلية، أكثر مما يشير الى استعداد عسكري فعلي للمواجهة مع الولايات المتحدة، خصوصاً ان مثل هذه المواجهة، اذا جاء أوانها، ستكون في عهدة الأجهزة العسكرية، لا في عهدة وزير الخارجية، الذي يوكل إليه عادة العمل الديبلوماسي.
في سياق هذا التهديد، جاءت تظاهرات الاحتجاج والاستنكار في العاصمة السورية، والتي بدت، من خلال الصور التي بثها التلفزيون الرسمي، والتصريحات التي أدلى بها المتظاهرون الى ميكروفونه، وكأنها تظاهرات دعم للنظام بقدر ما هي تظاهرات استنكار للعدوان، وربما أكثر، فيما التهديد على الحدود السورية، اذا شاءت السلطات السورية اعتباره تهديداً، هو لأمن البلد ولسيادته أكثر مما هو تهديد للنظام ذاته.
غير ان المراقب لا يملك ان يغفل في اطار قراءة تطورات هذا التسخين المفاجئ بين دمشق وواشنطن، انه يأتي في سياق مساعٍ سورية لتحسين هذه العلاقة ونقلها الى مستوى أدنى من البرودة. تمثل ذلك اولاً في عدم الرد السوري بالمثل، كما تقتضي العادة، على قيام واشنطن بسحب سفيرتها من دمشق عام 2005، ثم في حرص الديبلوماسية السورية، بإشراف الوزير المعلم، على استمرار اللقاءات الديبلوماسية بينه وبين الوزيرة الاميركية كوندوليزا رايس، كلما سنحت الفرصة. كذلك تمكن الاشارة في الإطار ذاته الى إدخال أطراف أخرى في هذه المعادلة، بغرض تحسين شروط التفاوض، من بينها قطر وفرنسا ساركوزي وتركيا. كذلك كانت المفاوضات، ولو غير المباشرة مع اسرائيل في اسطنبول، مؤشراً مهماً ورسالة سورية واضحة ان دمشق ليست في الموقع ذاته الذي تقف فيه «الدول المارقة» التي يصوب جورج بوش تصريحاته وقذائفه في اتجاهها، بل انها على استعداد لـ «تحسين سلوكها»، اذا كان المقابل المضمون هو استعادة الأرض وحماية النظام.
لكن الغارة الاميركية الأخيرة جاءت لتوحي وكأن هذه المبادرات السورية باتجاه ادارة جورج بوش ذهبت أدراج الرياح او تكاد. فالمبادرات السورية سواء باتجاه المشاركة في تحسين الامن العراقي او في اتجاه تحسين العلاقات مع لبنان، حسب الوصفة الفرنسية، بدت بلا جدوى. فالدول المفوضة بتحسين شروط التفاوض مع واشنطن عجزت عن منع الغارة على سورية، ومنها من تردد في استنكارها، ما دفع كثيرين من المراقبين الى التساؤل عما اذا كانت الخطوات السورية نحو الحلحلة سابقة لأوانها أو انها كانت ناتجة عن حسن نية في غير محلها في النوايا الاميركية، خصوصاً في نوايا ادارة تصر على اخطائها وتدفع الثمن الباهظ من رصيدها الحزبي في الداخل ورصيدها السياسي حول العالم.
في كل حال، لا بد ان تشعر دمشق الآن بأن هذه الحسابات، وكيفما كان تقييمها، اصبحت وراءها. فالادارة الحالية تودع، ومعها لغة التهديد ونهج الغارات الانتقامية. والامل معقود على باراك اوباما لتحسين هذه الصورة وهذا السلوك، وربما لهذا كان رد الوزير المعلم عندما سئل عن الرسالة التي ينوي توجيهها الى واشنطن بعد الغارة الاخيرة بالقول: لا وقت عندي أضيّعه على هذه الادارة!
الحياة – 03/11/08